جدل واسع في لبنان بعد حفل خاص داخل مغارة جعيتا الشهيرة
أثار تنظيم حفل خاص داخل مغارة جعيتا اللبنانية مؤخراً موجة عارمة من الاستياء والجدل عبر منصات التواصل الاجتماعي وفي الأوساط الرسمية والشعبية. انتشرت مقاطع مصورة تظهر أجواء احتفالية صاخبة ووجود حشد كبير من الأشخاص داخل هذا المعلم الطبيعي الفريد، مما فجر نقاشاً حاداً حول حماية التراث الوطني واحترام البيئة.

خلفية: أهمية مغارة جعيتا
تُعد مغارة جعيتا، الواقعة في وادي نهر الكلب شمال بيروت، جوهرة طبيعية وكنزاً وطنياً للبنان. تتكون المغارة من تجويفين، علوي وسفلي، يمتدان لمسافة تتجاوز تسعة كيلومترات، وتشتهر بتكويناتها الكلسية الساحرة من الصواعد والنوازل التي تشكلت على مدى ملايين السنين. وهي موطن لأطول هابطة (stalactite) في العالم، ومرشحة سابقة لتكون ضمن عجائب الدنيا السبع الطبيعية الجديدة.
تكتسب المغارة أهمية بيئية وجيولوجية وسياحية كبرى، حيث تجذب آلاف الزوار سنوياً. تُدار المغارة بموجب عقد امتياز يفرض قيوداً صارمة على الزيارات والأنشطة لضمان الحفاظ على سلامة التكوينات الجيولوجية الحساسة ونظامها البيئي الدقيق. تشمل هذه القيود منع الضوضاء العالية، وتناول الطعام والشراب، والتصوير بفلاش، وذلك لحماية البيئة الداخلية للمغارة.
تفاصيل الحفل المثير للجدل
في أواخر الشهر الماضي، تداولت وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي مقاطع فيديو وصوراً لحفل خاص يُعتقد أنه أقيم في جزء من المغارة، تحديداً في بهوها الواسع. أظهرت اللقطات حضور أعداد كبيرة من الضيوف، وموسيقى صاخبة، وأضواء ملونة، وأجواء لا تتناسب على الإطلاق مع طبيعة المغارة كمحمية طبيعية حساسة. لم يتم الإفصاح عن طبيعة الحفل بشكل رسمي، لكنه بدا كأنه فعالية احتفالية أو عشاء خاص لجهة معينة.
اللافت كان التباين الصارخ بين الأنشطة التي ظهرت في الفيديوهات وبين البروتوكولات المعتادة للزوار، التي تهدف إلى الحد الأدنى من التأثير البشري على البيئة الداخلية للمغارة. هذا التباين هو ما أشعل شرارة الجدل.
أسباب الجدل وردود الأفعال
تمركز الجدل حول عدة محاور رئيسية:
- المخاوف البيئية: أثارت الحفلة قلقاً بالغاً بشأن الأضرار المحتملة التي قد تلحق بالتكوينات الكلسية الهشة. فالاهتزازات الناتجة عن الموسيقى الصاخبة، والتغيرات في درجات الحرارة والرطوبة بفعل الحشود والإضاءة، قد تؤدي إلى تدهور هذه التكوينات البطيئة النمو بشكل لا رجعة فيه.
- انتهاك حرمة الموقع: يرى الكثيرون أن مغارة جعيتا ليست مجرد معلم سياحي، بل هي رمز وطني وتراث يجب احترامه وصونه. تحويلها إلى مكان لإقامة الحفلات الخاصة اعتبر انتهاكاً لحرمتها وتجاهلاً لقيمتها التاريخية والبيئية.
- عدم المساواة والشفافية: تساءل الجمهور عن الكيفية التي تم بها السماح بإقامة حفل خاص بهذا الحجم، بينما تُفرض قيود صارمة على المواطنين والزوار العاديين. طالبت الأصوات المحتجة بشفافية أكبر حول آليات إدارة المواقع التراثية الوطنية ومنح التراخيص.
- غياب الرقابة: وجهت انتقادات حادة لوزارتي السياحة والبيئة، بالإضافة إلى إدارة المغارة، بسبب ما اعتُبر غياباً للرقابة والتصرف بمسؤولية تجاه هذا الموقع الحساس.
تفاعلت الجهات الرسمية والشعبية مع هذا الجدل. فقد أعربت وزارة البيئة عن قلقها وأشارت إلى ضرورة حماية المغارة. كما دعت جهات أخرى إلى تحقيق فوري ومحاسبة المسؤولين. من جهتها، أصدرت إدارة مغارة جعيتا بياناً أوضحت فيه أن الحفل كان جزءاً من فعالية سياحية وأنها اتخذت جميع الإجراءات اللازمة لضمان عدم الإضرار بالمغارة، إلا أن هذا التبرير لم يلق قبولاً واسعاً وواجه تشكيكاً كبيراً.
التداعيات والآفاق المستقبلية
شكل هذا الحادث دافعاً لإعادة تقييم السياسات المتعلقة بإدارة وحماية المواقع التراثية في لبنان. أثيرت دعوات إلى تشديد الرقابة على عقود الامتياز، وتحديد صلاحيات الجهات المشرفة، ووضع لوائح تنفيذية أكثر صرامة لمنع تكرار مثل هذه الحوادث مستقبلاً. يرى خبراء بيئيون ومدافعون عن التراث أن الحادث يسلط الضوء على تحديات أوسع تواجه حماية البيئة والتراث في البلاد، وضرورة التوازن بين الاستفادة السياحية والحفاظ على الموارد الطبيعية للأجيال القادمة.
يبقى ملف حفل مغارة جعيتا مفتوحاً، مع استمرار المطالبات بالتحقيق والمساءلة، وتأكيد على ضرورة حماية كنوز لبنان الطبيعية من أي استغلال أو إهمال قد يهدد وجودها.




