حفل زفاف بمغارة جعيتا يثير جدلاً واسعاً وغضباً في لبنان
شهدت الأوساط اللبنانية في أواخر مايو 2024 موجة واسعة من السخط والاستياء العام بعد تداول مقاطع فيديو تظهر تنظيم حفل زفاف ضخم داخل مغارة جعيتا الشهيرة، أحد أبرز المعالم الطبيعية والسياحية في البلاد. أثار هذا الحدث تساؤلات جدية حول مدى احترام القوانين البيئية وحماية التراث الوطني، بالإضافة إلى إشعال نقاش حول استغلال المواقع العامة لصالح فعاليات خاصة.

خلفية الحدث وأهمية مغارة جعيتا
تعتبر مغارة جعيتا تحفة طبيعية فريدة من نوعها، وهي مكونة من مغارتين سفلى وعليا تمتدان لأكثر من 9 كيلومترات. تشكلت المغارة على مدى ملايين السنين بفعل عوامل التعرية وتدفق المياه، وتشتهر بتكويناتها الكلسية الساحرة من صواعد وهوابط ونوازل، بالإضافة إلى البحيرة الجوفية التي يمكن استكشافها بالقوارب. حظيت المغارة بتقدير عالمي، وتم ترشيحها ضمن قائمة عجائب الدنيا السبع الطبيعية الجديدة، مما يؤكد مكانتها ككنز وطني وإنساني.
تُصنف مغارة جعيتا ضمن المناطق الطبيعية المحمية في لبنان، وتُدار من قبل شركة MAPAS بموجب عقد مع الدولة اللبنانية، يهدف إلى صيانتها والحفاظ عليها وتوفير تجربة سياحية مستدامة للزوار. يُفترض أن تخضع جميع الأنشطة داخل المغارة لمعايير صارمة لضمان عدم الإضرار ببيئتها الحساسة أو تشويه جمالها الطبيعي.
تفاصيل الحفل وتداعياته الفورية
في أواخر شهر مايو 2024، انتشرت بشكل واسع على منصات التواصل الاجتماعي مقاطع فيديو وصور لحفل زفاف فاخر أُقيم داخل المغارة السفلى. أظهرت اللقطات تحضيرات ضخمة شملت إضاءة خاصة، وديكورات، وحضور عدد كبير من المدعوين، بالإضافة إلى فقرات موسيقية وعروض ترفيهية. سرعان ما تحولت هذه المشاهد إلى شرارة أطلقت العنان لموجة غضب عارمة بين اللبنانيين.
تنوعت أسباب الاستياء بين فئات المجتمع المختلفة:
- انتهاك حرمة الموقع: اعتبر الكثيرون أن إقامة حفل خاص بهذا الحجم داخل معلم طبيعي وطني يمثل انتهاكاً لحرمته وتقليلاً من قيمته كرمز وطني وثقافي يجب صونه للجميع.
- المخاوف البيئية: أبدى ناشطون بيئيون وخبراء قلقهم البالغ إزاء الأضرار المحتملة على البيئة الداخلية للمغارة. فالتغير في درجات الحرارة والرطوبة، وتأثير الإضاءة الاصطناعية المكثفة، والضوضاء، وحتى حركة الأفراد الكبيرة، كلها عوامل قد تضر بالتكوينات الكلسية الدقيقة وتؤثر على الحياة الميكروبية داخل المغارة، والتي تتطلب بيئة مستقرة للغاية.
- غياب الشفافية والمساءلة: تساءل الجمهور عن الكيفية التي تم بها منح الإذن بإقامة هذا الحفل، ومن هي الجهات المسؤولة التي سمحت بذلك، وما إذا كان هناك أي تقييم للأثر البيئي قد أُجري مسبقاً.
- التمييز والطبقية: في ظل الأزمة الاقتصادية الطاحنة التي يمر بها لبنان، رأى البعض في الحفل مظهراً من مظاهر الترف المبالغ فيه واستغلال النفوذ، مما زاد من الشعور بالاستياء العام والطبقية.
الموقف الرسمي والمطالبات بالتحقيق
لم يتأخر رد الفعل الرسمي والشعبي، فبعد تصاعد موجة الغضب، أصدرت العديد من الجهات بيانات إدانة ومطالبات بالتحقيق. من أبرز التطورات:
- بيان وزارة السياحة: أعلنت وزارة السياحة اللبنانية فوراً عن فتح تحقيق في الواقعة، مؤكدة أنها لم تمنح أي ترخيص لإقامة حفل زفاف داخل المغارة وأن ما حدث يخالف الأنظمة والقوانين المعمول بها.
- بيان وزارة البيئة: تبع ذلك بيان من وزارة البيئة، التي أعربت عن قلقها البالغ من تداعيات الحفل على المغارة، مشددة على ضرورة حماية هذا الموقع الطبيعي الفريد وأكدت متابعتها للموضوع عن كثب بالتنسيق مع الجهات المعنية.
- شركة MAPAS: في البداية، حاولت الشركة المشغلة للمغارة، MAPAS، تبرير الحدث بأنه مجرد «تصوير فني» أو «نشاط ثقافي» لا يضر بالموقع. لكن تحت ضغط الرأي العام، تراجعت الشركة عن هذه التصريحات وأعلنت عن استعدادها للتعاون الكامل مع التحقيقات الجارية، مؤكدة التزامها بحماية المغارة.
- مطالبات برلمانية وقضائية: طالب عدد من النواب والفعاليات المدنية بفتح تحقيق قضائي شامل ومحاسبة جميع المتورطين، من منظمي الحفل إلى الجهات التي سمحت به، لضمان عدم تكرار مثل هذه الانتهاكات.
أهمية القضية وتداعياتها المستقبلية
تتجاوز قضية حفل الزفاف في مغارة جعيتا مجرد حادثة فردية لتسلط الضوء على قضايا أوسع تتعلق بحماية التراث الطبيعي والثقافي في لبنان. إنها تثير أسئلة حول جدية تطبيق القوانين البيئية، وفعالية الرقابة على المواقع المحمية، ومسؤولية الشركات الخاصة في إدارة الأصول العامة.
من المتوقع أن تؤدي هذه الحادثة إلى مراجعة شاملة للأنظمة والقوانين المتعلقة بإدارة واستخدام المواقع الأثرية والطبيعية المحمية. كما أنها تعزز دور المجتمع المدني ووسائل الإعلام في مراقبة الأداء العام ومحاسبة الجهات المسؤولة، وتؤكد على أهمية التوعية بأهمية الحفاظ على التراث الوطني للأجيال القادمة.
يبقى اللبنانيون بانتظار نتائج التحقيقات الرسمية، آملين أن تسفر عن إجراءات حاسمة تضمن حماية مغارة جعيتا وغيرها من كنوز لبنان الطبيعية من أي استغلال غير مسؤول في المستقبل.




