إغلاق مغارة جعيتا في لبنان مؤقتاً على خلفية جدل حفل زفاف
أعلنت إدارة مغارة جعيتا، أحد أبرز كنوز لبنان الطبيعية والسياحية، عن إغلاقها أبوابها بشكل مؤقت أمام الزوار اعتباراً من الأيام القليلة الماضية، وذلك في أعقاب جدل واسع النطاق أثاره تنظيم حفل زفاف داخل أروقتها أواخر العام الماضي. يأتي هذا القرار استجابةً لموجة استنكار شعبية ورسمية طالبت بحماية الموقع من أي استغلال أو ممارسات قد تهدد قيمته البيئية والتراثية.
خلفية وأهمية مغارة جعيتا
تُعد مغارة جعيتا واحدة من أجمل المغارات الكارستية في العالم، وتُمثل إحدى العجائب الطبيعية في لبنان. تقع في وادي نهر الكلب على بُعد حوالي 18 كيلومتراً شمال العاصمة بيروت، وتتألف من طبقتين، عليا وجوفية، تشكلتا عبر آلاف السنين بفعل عوامل التعرية وتدفق المياه. تتميز المغارة بتشكيلاتها الصخرية المدهشة من النوازل والصواعد، وبحيرتها الجوفية الهادئة التي يمكن عبورها بالقوارب، مما يجعلها وجهة سياحية رئيسية وتراثاً طبيعياً ذا قيمة استثنائية.
- القيمة الطبيعية: تُصنف كمعلم جيولوجي فريد ومرشح سابق في مسابقة عجائب الدنيا السبع الجديدة الطبيعية.
- الأهمية السياحية: تستقطب آلاف الزوار سنوياً من داخل لبنان وخارجه، مما يساهم بشكل كبير في القطاع السياحي الوطني.
- الرمزية الوطنية: تُعتبر رمزاً للصمود والجمال الطبيعي اللبناني.
تتولى شركة "MAPAS" إدارة وتشغيل المغارة بموجب عقد مع الدولة اللبنانية، وهي مسؤولة عن صيانتها وتنظيم الزيارات وحماية بيئتها الداخلية.
تفاصيل حفل الزفاف والجدل المحيط به
اندلعت شرارة الجدل في أواخر شهر ديسمبر 2023، عندما تداولت وسائل التواصل الاجتماعي صوراً ومقاطع فيديو لحفل زفاف أقيم داخل إحدى قاعات مغارة جعيتا. أظهرت الصور ديكورات خاصة للحفل وإضاءة غير اعتيادية، مما أثار حفيظة العديد من النشطاء البيئيين والمواطنين والمسؤولين.
تمحور الجدل حول عدة نقاط رئيسية:
- انتهاك قدسية الموقع: اعتبر الكثيرون أن تنظيم حفل شخصي بمثل هذا الطابع داخل معلم طبيعي وطني يمثل انتهاكاً لقدسيته وقيمته التراثية التي تتجاوز أي غرض تجاري.
- المخاوف البيئية: أثيرت مخاوف جدية بشأن التأثيرات المحتملة للضوضاء، الإضاءة، الديكورات، ووجود عدد كبير من الأشخاص على التكوينات الجيولوجية الحساسة والبيئة الدقيقة للمغارة. يُعرف عن المغارات أنها أنظمة بيئية مغلقة وهشة تتأثر بأدنى تغيير.
- السوابق والترخيص: تساءل الجمهور عن كيفية السماح بإقامة مثل هذا الحدث، وما إذا كان هناك ترخيص رسمي صادر عن الجهات المختصة، وعما إذا كانت إجراءات الحماية البيئية قد روعيت.
- الاستغلال التجاري: رأى البعض في هذا الحدث مثالاً على الاستغلال التجاري للمواقع الأثرية والطبيعية دون مراعاة لقيمتها الجوهرية.
الردود الرسمية وقرار الإغلاق
مع تصاعد حدة الانتقادات، تحركت الجهات الرسمية. أدان وزير السياحة اللبناني ووزير البيئة تنظيم الحفل، مؤكدين على ضرورة حماية المواقع الطبيعية والتراثية. بدأت التحقيقات للكشف عن ملابسات الواقعة وتحديد المسؤوليات.
بعد ساعات قليلة من انتشار الخبر، أعلنت إدارة مغارة جعيتا ممثلة بشركة "MAPAS" عن قرارها بإغلاق المغارة مؤقتاً. جاء في بيان الإدارة أن هذا الإغلاق يهدف إلى:
- التحقيق في الحادثة: إجراء تحقيق شامل في كيفية السماح بإقامة الحفل وما إذا كان هناك أي خرق للبروتوكولات المعمول بها.
- تقييم الأضرار: التأكد من عدم وجود أي أضرار بيئية أو جيولوجية لحقت بالمغارة جراء الحفل.
- مراجعة الإجراءات: إعادة تقييم وتحديث أنظمة التشغيل، والإجراءات الأمنية، والضوابط المتعلقة بإقامة الفعاليات داخل المغارة لضمان عدم تكرار مثل هذه الحوادث في المستقبل.
- التهدئة: استيعاب الغضب الشعبي والتأكيد على التزام الإدارة بحماية هذا الكنز الوطني.
ردود الفعل والتداعيات
لقي قرار الإغلاق ترحيباً واسعاً من قبل المنظمات البيئية والمجتمع المدني، الذين أكدوا على ضرورة فرض رقابة صارمة على جميع المواقع التراثية والطبيعية في لبنان.
- دعوات لحماية التراث: طالبت العديد من الجهات بوضع خطة وطنية شاملة لحماية التراث الطبيعي والثقافي في لبنان وتفعيل القوانين الرادعة لأي تعديات.
- تأثير على السياحة: من المتوقع أن يؤثر الإغلاق المؤقت على حركة السياحة المحلية والأجنبية، خاصة وأن المغارة تُعتبر نقطة جذب رئيسية. ومع ذلك، يرى البعض أن هذا الإجراء ضروري على المدى الطويل للحفاظ على سمعة لبنان كوجهة سياحية تحترم كنوزها الطبيعية.
- المساءلة: يطالب الرأي العام بمساءلة المتورطين في السماح بتنظيم الحفل، سواء كانوا من إدارة المغارة أو من أي جهات أخرى.
المستقبل والتوقعات
لم يتم تحديد موعد دقيق لإعادة فتح مغارة جعيتا حتى الآن، حيث يعتمد ذلك على نتائج التحقيقات وتقييم الأضرار المحتملة ووضع إجراءات حماية جديدة. يأمل اللبنانيون أن تكون هذه الأزمة فرصة لتعزيز الوعي بأهمية الحفاظ على المواقع التراثية والطبيعية، وأن تُوضع آليات واضحة تضمن عدم تكرار مثل هذه الحوادث مستقبلاً، مع الحفاظ على التوازن بين الاستفادة السياحية والحماية البيئية الصارمة.





