جهود مصرية لجمع الفصائل الفلسطينية وتأسيس مرحلة انتقالية جديدة
في ظل التطورات المتسارعة في قطاع غزة والضفة الغربية، كثفت مصر من تحركاتها الدبلوماسية لاستضافة اجتماعات موسعة تضم مختلف الفصائل الفلسطينية. تأتي هذه الجهود في توقيت حاسم بهدف مناقشة مستقبل الأوضاع الفلسطينية، ووضع أسس متفق عليها لإدارة مرحلة انتقالية حساسة قد تعقب انتهاء العمليات العسكرية الجارية، والسعي نحو توحيد الصف الفلسطيني لمواجهة التحديات القادمة.

خلفية الوساطة المصرية
تلعب القاهرة تاريخياً دوراً محورياً في الملف الفلسطيني، نظراً لعوامل الجوار الجغرافي والأمن القومي المشترك، بالإضافة إلى كونها وسيطاً مقبولاً من غالبية الأطراف الفلسطينية والدولية. على مدار العقود الماضية، استضافت مصر جولات عديدة من حوارات المصالحة، أبرزها تلك التي أفضت إلى اتفاق القاهرة عام 2011، والذي هدف إلى إنهاء الانقسام السياسي بين حركتي فتح وحماس. ورغم أن العديد من هذه المحاولات لم تكتمل، إلا أن الدور المصري ظل ثابتاً في محاولة رأب الصدع ومنع تفاقم الخلافات الداخلية.
التطورات الأخيرة وأهداف المباحثات
تركز الدعوات المصرية الأخيرة على ضرورة تشكيل رؤية فلسطينية موحدة لمرحلة ما بعد الحرب في غزة. وتدور المباحثات، التي تجري غالباً بسرية وتحت رعاية جهاز المخابرات العامة المصرية، حول عدة نقاط جوهرية تمثل خارطة طريق محتملة للمستقبل. وقد حظيت هذه المساعي بإشادة من عدة جهات، من بينها صلاح عبد العاطي، رئيس الهيئة الدولية لدعم فلسطين، الذي أكد في تصريحات له على الدور الفاعل والمؤثر الذي تلعبه مصر لحماية الشعب الفلسطيني ودعم قضيته.
تتمحور الأهداف الرئيسية لهذه الاجتماعات حول النقاط التالية:
- تشكيل حكومة كفاءات وطنية: العمل على تأسيس حكومة تكنوقراط مستقلة تحظى بقبول وطني ودولي، تكون مهمتها الأساسية إدارة شؤون الضفة الغربية وقطاع غزة والإشراف على عملية إعادة الإعمار.
- إعادة إعمار غزة: وضع آلية واضحة وشفافة لإعادة بناء ما دمرته الحرب، وضمان وصول المساعدات الإنسانية والإغاثية إلى جميع المتضررين دون تمييز.
- توحيد المؤسسات: دمج المؤسسات الحكومية والأمنية في الضفة والقطاع تحت قيادة واحدة، لإنهاء حالة الانقسام المؤسسي التي استمرت لسنوات طويلة.
- التحضير للانتخابات: الاتفاق على جدول زمني لإجراء انتخابات رئاسية وتشريعية عامة تمنح الشرعية لمؤسسات السلطة الفلسطينية وتعكس إرادة الشعب.
التحديات والعقبات الرئيسية
على الرغم من الأهمية القصوى لهذه الجهود، إلا أنها تواجه تحديات كبيرة قد تعرقل الوصول إلى اتفاق. أبرز هذه العقبات هو انعدام الثقة العميق بين الفصائل الكبرى، خاصة فتح وحماس، والذي تغذيه سنوات من الانقسام والخلافات الأيديولوجية والسياسية. كما أن الضغوط الخارجية تمثل عاملاً مؤثراً، حيث تتباين رؤى القوى الإقليمية والدولية، مثل الولايات المتحدة وإسرائيل، حول شكل وطبيعة السلطة الفلسطينية المستقبلية ودور الفصائل المختلفة فيها.
الأهمية والتأثير المحتمل
يُنظر إلى نجاح الحوار الفلسطيني في القاهرة على أنه شرط أساسي لأي تسوية سياسية مستقبلية. فوجود قيادة فلسطينية موحدة ومتماسكة من شأنه أن يعزز الموقف الفلسطيني في أي مفاوضات، ويسهل عملية إعادة الإعمار، ويمنع انزلاق قطاع غزة إلى فراغ أمني أو إداري. وفي المقابل، فإن استمرار الانقسام يهدد بتعميق الأزمة الإنسانية ويضعف القضية الفلسطينية على الساحة الدولية، مما يجعل من المباحثات التي ترعاها مصر حالياً محطة مفصلية في تحديد مسار المستقبل الفلسطيني.





