جي بي مورغان يرفع توقعاته لسعر الذهب: احتمال الوصول إلى 8000 دولار
في تطور لافت يُثير نقاشات واسعة في الأوساط المالية، أصدر عملاق الخدمات المصرفية والاستثمارية جي بي مورغان (J.P. Morgan) توقعات جريئة تشير إلى إمكانية أن يقفز سعر أونصة الذهب ليلامس حاجز الـ 8000 دولار أمريكي. يأتي هذا التوقع، الذي تم الإعلان عنه في الآونة الأخيرة، في سياق تحليل شامل يربط مستقبل المعدن الأصفر بعدة عوامل اقتصادية وجيوسياسية متقلبة، مما يعكس تحولاً محتملاً في نظرة المستثمرين والمؤسسات المالية الكبرى تجاه الذهب كأصل استثماري محوري.

خلفية وأهمية الذهب كأصل آمن
لطالما لعب الذهب دور الملاذ الآمن التقليدي، خاصةً خلال فترات الاضطراب الاقتصادي والسياسي. يعود هذا الدور إلى طبيعته كأصل ملموس ومحدود، مما يجعله محتفظاً بقيمته في مواجهة تدهور العملات الورقية أو تراجع الثقة في الأسواق المالية. في السنوات الأخيرة، شهدنا تزايداً في اهتمام البنوك المركزية حول العالم بتعزيز احتياطاتها من الذهب، مدفوعةً برغبتها في تنويع الأصول وتخفيف المخاطر المرتبطة بالهيمنة المطلقة لعملة معينة في التجارة الدولية والاحتياطيات السيادية. كما أن المخاوف المستمرة بشأن التضخم العالمي وسياسات التيسير الكمي التي اتبعتها بعض البنوك المركزية قد غذت الطلب على الذهب، مما أدى إلى ارتفاعات متتالية في أسعاره خلال مراحل مختلفة.
دوافع جي بي مورغان وراء التوقع الصعودي
لا يستند توقع جي بي مورغان بوصول الذهب إلى مستوى 8000 دولار على مجرد تكهنات، بل يعتمد على مجموعة من العوامل الأساسية والتحليلات الفنية العميقة. ووفقاً لتقرير البنك، تشمل هذه الدوافع الرئيسية ما يلي:
- الاضطرابات الجيوسياسية المتصاعدة: يرى البنك أن التوترات العالمية المتزايدة، بما في ذلك الصراعات الإقليمية وعدم اليقين السياسي، ستدفع بالمستثمرين نحو الأصول الأكثر أماناً مثل الذهب للحماية من المخاطر النظامية المحتملة.
- تحولات السياسة النقدية: مع تزايد التكهنات بشأن احتمالية خفض أسعار الفائدة من قبل البنوك المركزية الكبرى، لا سيما الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي، قد ينخفض العائد على السندات، مما يجعل الذهب، الذي لا يقدم عائداً، أكثر جاذبية مقارنةً بالبدائل الأخرى. كما أن ضعف الدولار الأمريكي، المرتبط غالباً بتخفيضات الفائدة، عادةً ما يعزز من قيمة الذهب المسعّر بالدولار.
- استمرار الطلب القوي من البنوك المركزية: يتوقع جي بي مورغان استمرار وتيرة شراء الذهب من قبل البنوك المركزية، خاصةً في الاقتصادات الناشئة التي تسعى لتنويع أصولها بعيداً عن العملات الرئيسية، مما يوفر دعماً قوياً لسعر الذهب.
- الضغوط التضخمية: على الرغم من جهود البنوك المركزية للسيطرة على التضخم، فإن المخاوف من عودة موجات تضخمية جديدة أو استمرارها بوتيرة أعلى من المتوقع قد تدفع المستثمرين للبحث عن حماية في الذهب، الذي يُنظر إليه تاريخياً كتحوط ضد تآكل القوة الشرائية للنقود.
- تراجع هيمنة الدولار: يتحدث بعض المحللين عن تزايد التوجه نحو «فك الارتباط بالدولار» (De-dollarization) في التجارة العالمية والاحتياطيات، وهو ما قد يؤدي إلى تحويل جزء من هذه الاحتياطيات إلى الذهب، مما يدعم سعره على المدى الطويل.
تداعيات السوق ووجهات نظر أخرى
إن توقع جي بي مورغان بوصول الذهب إلى 8000 دولار، يمثل قفزة كبيرة عن مستوياته الحالية، ويضعه ضمن التوقعات الأكثر جرأة في السوق. وبينما يرى بعض المحللين أن هذا الرقم طموح للغاية وقد يتطلب ظروفاً استثنائية جداً لتحقيقه، يشير آخرون إلى أن الأسواق العالمية تشهد بالفعل تحولات هيكلية كبيرة يمكن أن تدعم مثل هذه الارتفاعات. يراقب المستثمرون عن كثب هذه التوقعات، مع الأخذ في الاعتبار تداعياتها المحتملة على محافظهم الاستثمارية في ظل بيئة اقتصادية عالمية تتسم بالتقلب وعدم اليقين. يؤكد تقرير البنك على أن المحركات الهيكلية طويلة الأجل للذهب تظل قوية، مما يرسم صورة صعودية لأداء المعدن الثمين في المستقبل.





