حشود مليونية في مولد السيد البدوي تثير جدلاً واسعاً في مصر
شهدت مدينة طنطا بمحافظة الغربية في مصر، خلال الأيام القليلة الماضية، توافداً بشرياً هائلاً للمشاركة في الاحتفال بـمولد السيد أحمد البدوي، وذلك بعد توقفه لعدة سنوات. وأثارت المشاهد التي وثقتها مقاطع الفيديو والصور لحشود قدرت بمئات الآلاف، والتي انتشرت على نطاق واسع عبر منصات التواصل الاجتماعي، نقاشاً عاماً حول طبيعة هذه الاحتفالات ومكانتها الدينية والثقافية في المجتمع المصري المعاصر.

خلفية الاحتفال وأهميته
يُعد مولد السيد أحمد البدوي، وهو عالم ومتصوف إسلامي من القرن الثالث عشر الميلادي، أحد أكبر الاحتفالات الدينية الشعبية في مصر. ويقام سنوياً في مدينة طنطا حيث يقع مسجده وضريحه، ويجذب ملايين الزوار من مختلف أنحاء البلاد، الذين يقصدونه للمشاركة في الطقوس الدينية والاحتفالية التي تستمر لأسبوع. وقد توقفت هذه الاحتفالات في السنوات الأخيرة، بشكل أساسي بسبب الإجراءات الاحترازية المتعلقة بجائحة فيروس كورونا، مما جعل عودتها هذا العام حدثاً بارزاً ينتظره الكثيرون من مريدي الطرق الصوفية وعموم المصريين.
تفاصيل الحدث وعودة الزخم الشعبي
أظهرت المشاهد المتداولة من احتفالات أواخر شهر أكتوبر من العام الماضي شوارع وميادين مدينة طنطا وهي تمتلئ عن آخرها بالمحتفلين، في مشهد يعكس الحضور القوي لهذه التقاليد في الوجدان الشعبي. وتضمنت الفعاليات حلقات الذكر والمدائح النبوية، بالإضافة إلى المواكب الصوفية التي جابت الشوارع، وسط أجواء احتفالية شملت أيضاً الأسواق الشعبية ومناطق الترفيه التي تقام خصيصاً لهذه المناسبة. وكانت كثافة الحضور لافتة بشكل خاص، مما دفع الكثير من المراقبين إلى وصفها بالمليونية، وأعاد تسليط الضوء على مدى ارتباط قطاعات واسعة من المصريين بـ "أولياء الله الصالحين".
محاور الجدل والانتقادات
مع انتشار صور الحشود، تجدد الجدل الذي يصاحب هذه الموالد عادةً، والذي يدور حول عدة محاور رئيسية:
- الجدل الديني: يرى بعض التيارات، خاصة السلفية، أن العديد من الممارسات المصاحبة للموالد، مثل التمسح بالأضرحة وطلب البركة منها، هي بدع ومظاهر لا تتفق مع صحيح الدين. في المقابل، تدافع المؤسسات الدينية الرسمية، مثل الأزهر ووزارة الأوقاف، إلى جانب الطرق الصوفية، عن هذه الاحتفالات باعتبارها تعبيراً عن محبة آل البيت والأولياء، وتعتبرها جزءاً من التراث الإسلامي طالما بقيت في إطار الضوابط الشرعية.
- البعد الاجتماعي والثقافي: ينظر المؤيدون إلى الموالد على أنها ليست مجرد مناسبة دينية، بل هي أيضاً ظاهرة ثقافية واجتماعية متجذرة تعزز الروابط المجتمعية، وتمثل متنفساً روحياً وترفيهياً للملايين. كما أنها تشكل رافداً اقتصادياً مهماً للمدن التي تستضيفها، مثل طنطا، عبر تنشيط الحركة التجارية والخدمات.
- المخاوف التنظيمية والأمنية: أثارت الأعداد الغفيرة تساؤلات حول مدى استعداد الأجهزة المعنية لإدارة مثل هذه التجمعات الضخمة، وضمان سلامة المشاركين، وتوفير الخدمات الصحية والنظافة اللازمة، خاصة في ظل غياب التنظيم الدقيق في بعض الأحيان.
دلالات عودة الاحتفالات
تمثل عودة مولد السيد البدوي بهذا الزخم الكبير دليلاً على استمرارية الموروث الشعبي والديني وقدرته على الحضور بقوة رغم كل الانتقادات والتحولات المجتمعية. ويرى محللون أن المشهد يعكس حالة من التنوع الديني والثقافي داخل المجتمع المصري، حيث تتعايش التفسيرات المختلفة للإسلام جنباً إلى جنب. كما أن سماح السلطات بعودة هذه الاحتفالات بعد فترة توقف يعد مؤشراً على الاعتراف بأهميتها الاجتماعية وقاعدة المشاركين الواسعة فيها.





