حصار الفاشر: الأمم المتحدة تدق ناقوس الخطر بشأن أزمة إنسانية متفاقمة
أطلقت هيئات الأمم المتحدة والمنظمات الإنسانية الدولية تحذيرات متتالية في الأسابيع الأخيرة، معربة عن قلقها البالغ حيال الوضع الكارثي في مدينة الفاشر، عاصمة ولاية شمال دارفور في السودان. تواجه المدينة، التي تؤوي مئات الآلاف من المدنيين والنازحين، حصاراً خانقاً تفرضه قوات الدعم السريع وسط قتال عنيف ومستمر مع الجيش السوداني والقوات المتحالفة معه، مما يضع السكان على حافة مجاعة وشيكة ويهدد بوقوع فظائع جماعية.

تصاعد العنف وحصار خانق
منذ تصاعد الهجوم على الفاشر في منتصف عام 2024 تقريباً، فرضت قوات الدعم السريع حصاراً شبه كامل على المدينة، وقطعت طرق الإمداد الرئيسية التي كانت تصل عبرها المساعدات الإنسانية والمواد التجارية. وتشير التقارير الميدانية إلى تعرض الأحياء السكنية ومخيمات النازحين والمرافق الحيوية لقصف عشوائي ومستمر، مما أسفر عن مقتل وجرح المئات من المدنيين وتدمير البنية التحتية الأساسية. وقد أدى هذا العنف إلى موجات نزوح جديدة داخل المدينة نفسها، حيث يفر السكان من مناطق الاشتباك بحثاً عن ملاذات آمنة تتقلص مساحتها يوماً بعد يوم.
انهيار إنساني وشيك
يُعد الوضع الإنساني في الفاشر هو الأكثر خطورة. فمع انقطاع وصول المساعدات لعدة أشهر، يعاني السكان من نقص حاد في الغذاء والمياه النظيفة والأدوية. وقد ارتفعت أسعار المواد الغذائية القليلة المتوفرة بشكل هائل، مما جعلها بعيدة عن متناول معظم العائلات. كما انهار القطاع الصحي بشكل كبير بعد أن تعرضت المستشفيات الرئيسية، مثل المستشفى الجنوبي، لهجمات متكررة أدت إلى خروجها عن الخدمة، تاركة الجرحى والمرضى دون رعاية طبية تذكر. وتحذر منظمات الإغاثة من أن استمرار الحصار سيؤدي حتماً إلى تفشي الأمراض وسوء التغذية الحاد، ويدفع بالمنطقة نحو مجاعة واسعة النطاق.
الأهمية الاستراتيجية لمدينة الفاشر
تكتسب المعركة حول الفاشر أهمية استراتيجية كبرى لكلا طرفي النزاع. فالمدينة هي المركز الإداري الوحيد في إقليم دارفور الشاسع الذي لا يزال تحت سيطرة الجيش السوداني. كما أنها تُعتبر ملاذاً أخيراً لأكثر من 800 ألف مدني، بينهم عدد كبير من النازحين الذين فروا من مناطق أخرى في دارفور خلال الصراع الممتد منذ أكثر من عام. ويخشى المراقبون الدوليون من أن سقوط المدينة في يد قوات الدعم السريع قد يؤدي إلى ارتكاب أعمال عنف واسعة النطاق على أسس عرقية، وتكرار للفظائع التي شهدها الإقليم في الماضي.
نداءات دولية وتحذيرات من كارثة
على الصعيد الدولي، تتوالى الدعوات لإنهاء الحصار والسماح بوصول المساعدات الإنسانية بشكل فوري وآمن. وقد أصدر مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة قرارات تطالب بوقف القتال حول الفاشر وحماية المدنيين، لكن هذه الدعوات لم تجد استجابة على الأرض. كما حذر كبار مسؤولي الأمم المتحدة، بمن فيهم الأمين العام، من أن الوضع في الفاشر يمثل "قنبلة موقوتة" وأن التقاعس الدولي قد يسمح بحدوث كارثة إنسانية لا يمكن تداركها. وتتركز الجهود الدبلوماسية حالياً على الضغط على الأطراف المتحاربة لفتح ممرات إنسانية وتجنيب المدنيين ويلات القتال، مع التأكيد على ضرورة محاسبة المسؤولين عن انتهاكات القانون الدولي الإنساني.




