معركة الفاشر في السودان: صراع حاسم يحدد مستقبل الحرب؟

تتصدر مدينة الفاشر، عاصمة ولاية شمال دارفور، المشهد العسكري في السودان، حيث تشهد منذ أسابيع قتالاً عنيفاً ومكثفاً بين القوات المسلحة السودانية (SAF) وحلفائها من الحركات المسلحة، وقوات الدعم السريع (RSF) المدعومة بميليشيات متحالفة. يُنظر إلى هذه المعركة كـنقطة مفصلية حاسمة قد تُعيد تشكيل مسار الصراع الدائر في البلاد منذ أبريل 2023، وذات تداعيات بعيدة المدى على الاستقرار الإقليمي ومستقبل السودان ككل.

خلفية وأهمية الفاشر الاستراتيجية

تكتسب الفاشر أهمية استراتيجية قصوى لعدة أسباب؛ فهي تعد آخر المدن الكبرى في إقليم دارفور التي لم تسقط بالكامل تحت سيطرة قوات الدعم السريع، بعد أن تمكنت الأخيرة من السيطرة على أربع عواصم ولايات دارفور الأخرى (نيالا، الجنينة، زالنجي). موقعها الجغرافي يجعلها مركزاً لوجستياً حيوياً يربط بين ولايات دارفور المختلفة، ومفترق طرق لإمدادات المساعدات الإنسانية والتحركات العسكرية.

تُعد المدينة أيضاً ملاذاً لمئات الآلاف من النازحين الذين فروا من العنف في مناطق أخرى بدارفور، مما يضفي على أي تصعيد عسكري فيها بعداً إنسانياً كارثياً. تاريخياً، كانت الفاشر قاعدة عمليات للقوات المسلحة السودانية ومركزاً لدعم الحركات المسلحة الموقعة على اتفاقيات سلام، مثل حركة تحرير السودان بقيادة مني أركو مناوي وحركة العدل والمساواة بقيادة جبريل إبراهيم، اللتين تقاتلان حالياً إلى جانب الجيش.

تطورات الصراع الأخيرة والأزمة الإنسانية

تصاعدت وتيرة الهجمات على الفاشر بشكل ملحوظ خلال الشهور القليلة الماضية، وخاصة منذ منتصف أبريل 2024، حيث فرضت قوات الدعم السريع حصاراً خانقاً على المدينة، مدعومة بقصف مدفعي وغارات جوية مكثفة. وقد أدت هذه الاشتباكات إلى تدهور حاد في الوضع الإنساني، تمثل في:

النزوح الجماعي: فرار آلاف المدنيين من المدينة ومحيطها بحثاً عن الأمان.
تدمير البنية التحتية: استهداف المستشفيات والمرافق الصحية والمياه والكهرباء، مما يعطل الخدمات الأساسية.
نقص حاد في الإمدادات: شح الغذاء والدواء والوقود بسبب الحصار وتقطع طرق الإمداد.
تصاعد أعداد الضحايا المدنيين: سقوط قتلى وجرحى بشكل يومي جراء القصف والاشتباكات.

أطلقت الأمم المتحدة والعديد من المنظمات الإنسانية تحذيرات متكررة من خطر وقوع مذبحة محتملة في الفاشر، وتداعياتها على المدنيين، مذكّرة بسيناريوهات العنف المماثلة التي شهدها إقليم دارفور في السابق.

تأثير المعركة على موازين الحرب

ترى الأطراف المتنازعة ومحللون عسكريون أن معركة الفاشر ليست مجرد صراع محلي، بل هي محدد رئيسي لمستقبل الحرب في السودان:

بالنسبة لقوات الدعم السريع: يُعد الاستيلاء على الفاشر الخطوة الأخيرة نحو السيطرة الكاملة على دارفور، وهو ما سيعزز من موقفها التفاوضي والعسكري بشكل كبير، ويُمكنها من تأمين طرق إمداداتها ومواردها. وقد أعلن الباشا محمد طبيق، مستشار قائد قوات الدعم السريع، أن السيطرة على المدينة ستكون «نقطة تحول كبرى» نحو «تحرير» كامل التراب السوداني، في إشارة إلى توسيع نفوذها بعد دارفور.
بالنسبة للقوات المسلحة والحركات المتحالفة: يمثل الدفاع عن الفاشر خط دفاع حاسم عن وجودها في دارفور، وعن آلاف المدنيين. سقوطها سيمثل ضربة قاصمة لمعنوياتهم ومواقعهم الاستراتيجية، وقد يؤدي إلى إضعاف قدرتهم على استمرار القتال في الإقليم.

السيطرة على الفاشر ستمنح المنتصر أفضلية جيوسياسية لا تُقدر بثمن في غرب السودان، وتُمكنه من فرض سيطرته على طرق التجارة والموارد الطبيعية، وهو ما يؤثر بشكل مباشر على تمويل واستمرارية الحرب.

التبعات المحتملة

تتجاوز تبعات معركة الفاشر الحدود الإقليمية لدارفور:

على المستوى الإنساني: من المتوقع أن تؤدي أي نتيجة حاسمة للمعركة، خاصةً إذا كانت بالسيطرة العسكرية الكاملة لأحد الأطراف، إلى موجات نزوح جديدة وتفاقم الأزمة الإنسانية، مع مخاوف جدية من تفشي العنف العرقي.
على المستوى السياسي والعسكري: قد تدفع المعركة الأطراف نحو مائدة المفاوضات من موقع قوة أو ضعف، أو على العكس، قد تزيد من حدة الصراع وتطيل أمده إذا ما شعر أحد الطرفين أنه يمكنه تحقيق نصر عسكري شامل.
على المستوى الإقليمي والدولي: تستمر الضغوط الدولية المطالبة بوقف فوري لإطلاق النار وفتح ممرات إنسانية آمنة، بينما يتابع الإقليم بقلق بالغ تطورات هذا الصراع الذي يهدد استقراره.

باختصار، معركة الفاشر ليست مجرد فصل آخر في حرب السودان المستمرة، بل هي اختبار حقيقي لقدرة الأطراف على تحقيق أهدافها العسكرية، ونقطة محورية قد تحدد مستقبل الصراع ومصير ملايين السودانيين.