خبير مائي مصري يكشف أهداف إثيوبيا من سد "كويشا" الجديد
في ظل استمرار الجدل حول سد النهضة، تسلط الأضواء على مشروع إثيوبي ضخم آخر، وهو سد "كويشا"، الذي يثير تساؤلات حول استراتيجية أديس أبابا المائية. في هذا السياق، قدم الدكتور محمد نصر علام، وزير الري والموارد المائية المصري الأسبق، تحليلاً للأسباب والدوافع الحقيقية وراء بناء هذا السد الجديد، موضحًا أبعاده الاقتصادية والسياسية وتأثيراته المحتملة على المنطقة.

ما هو مشروع سد كويشا؟
سد كويشا هو مشروع لتوليد الطاقة الكهرومائية يقع على نهر أومو في جنوب إثيوبيا، وهو نهر رئيسي يصب في بحيرة توركانا المشتركة مع كينيا. ويُعد هذا السد، المعروف أيضًا باسم "جيبي 4" (Gibe IV)، جزءًا من سلسلة سدود بنتها إثيوبيا على حوض نهر أومو بهدف تعظيم الاستفادة من مواردها المائية. تم تصميم السد ليكون واحدًا من أكبر محطات الطاقة في البلاد، حيث تقدر قدرته الإنتاجية بحوالي 2160 ميجاوات، مما يجعله ثاني أكبر سد في إثيوبيا بعد سد النهضة.
يختلف سد كويشا عن سد النهضة في كونه لا يقع على حوض النيل، وبالتالي لا يؤثر بشكل مباشر على حصة مصر أو السودان من مياه النيل. إلا أن الخبراء يرون في إنشائه دلالة على نمط السياسة المائية الإثيوبية القائمة على تنفيذ مشاريع كبرى على الأنهار المشتركة دون تنسيق كافٍ مع دول الجوار.
الأهداف الاستراتيجية لإثيوبيا
وفقًا لتحليل الدكتور علام وتصريحات لمسؤولين إثيوبيين، يخدم بناء سد كويشا أهدافًا استراتيجية واضحة لأديس أبابا. الهدف الأساسي هو تعزيز مكانة إثيوبيا كقوة إقليمية في مجال الطاقة، والسعي لتصبح "بطارية شرق إفريقيا". تطمح الحكومة الإثيوبية إلى تحقيق الاكتفاء الذاتي من الكهرباء، وتوفير الطاقة اللازمة لقطاعاتها الصناعية والزراعية المتنامية، بالإضافة إلى تصدير فائض كبير من الكهرباء إلى الدول المجاورة مثل كينيا والسودان وجيبوتي، مما يوفر مصدرًا هامًا للعملة الصعبة.
على الصعيد السياسي، يمنح التحكم في موارد الطاقة والمياه إثيوبيا نفوذًا جيوسياسيًا أكبر في منطقة القرن الإفريقي. ويرى مراقبون أن هذه المشاريع الضخمة تُستخدم أيضًا كأداة لتعزيز الوحدة الوطنية وحشد الدعم الشعبي حول الحكومة المركزية، خاصة في أوقات التحديات الداخلية.
التأثيرات البيئية والإقليمية
يثير مشروع سد كويشا، مثله مثل بقية السدود على نهر أومو، مخاوف جدية لدى المنظمات البيئية ودولة كينيا. يتركز القلق الرئيسي حول التأثير المحتمل على النظام البيئي الهش لبحيرة توركانا، أكبر بحيرة صحراوية دائمة في العالم، والتي تعتمد بنسبة تصل إلى 90% من مياهها على نهر أومو. يمكن أن يؤدي تنظيم تدفق النهر إلى تغييرات حادة في منسوب مياه البحيرة، وزيادة ملوحتها، وتهديد مصائد الأسماك التي يعتمد عليها مئات الآلاف من السكان المحليين في كل من إثيوبيا وكينيا.
بالنسبة لمصر، فإن بناء السد يُنظر إليه في إطار أوسع. فعلى الرغم من عدم وجود تأثير مائي مباشر، يرى محللون مصريون، ومن بينهم الدكتور علام، أن المشروع يؤكد على النهج الإثيوبي الأحادي في إدارة الأنهار العابرة للحدود. هذا النهج هو جوهر الخلاف في مفاوضات سد النهضة، ويعزز المخاوف المصرية من أن إثيوبيا قد تطبق سياسات مماثلة على منابع النيل الأزرق مستقبلاً دون مراعاة لمصالح دول المصب.
سياق أوسع للخلافات المائية
يأتي بناء سد كويشا في وقت لا تزال فيه أزمة سد النهضة تراوح مكانها، مع فشل جولات المفاوضات المتكررة بين مصر والسودان وإثيوبيا في التوصل إلى اتفاق قانوني ملزم بشأن قواعد ملء وتشغيل السد. وفي هذا الإطار، يمثل سد كويشا رسالة بأن إثيوبيا ماضية في خططها التنموية القائمة على استغلال مواردها المائية، بغض النظر عن المخاوف الإقليمية. ويؤكد الخبراء أن هذا التوجه يتطلب من دول الجوار، وخاصة مصر وكينيا، تبني استراتيجيات دبلوماسية وقانونية متماسكة للتعامل مع سياسات المياه الإثيوبية على المدى الطويل.




