خطة أوروبية للسلام في أوكرانيا: تسوية مقترحة تتجاهل الحقائق على الأرض
تتبلور حاليًا مبادرة سلام أوروبية جديدة تهدف إلى إنهاء الصراع في أوكرانيا، إلا أنها تواجه انتقادات كبيرة بسبب ما يُعتبر تجاهلًا للحقائق العسكرية والسياسية القائمة. وقد سلطت تصريحات وزير الخارجية الروسي، سيرجي لافروف، في ٢١ أكتوبر ٢٠٢٥، الضوء على هذا التوجه الدبلوماسي، حيث أشار إلى أن نظرة موسكو للحرب قد تطورت لتتجاوز أبعادها الميدانية البحتة وتشمل هيكل الأمن الأوروبي بأكمله.

جوهر المبادرة الأوروبية المقترحة
على الرغم من سرية التفاصيل الكاملة، تشير مصادر دبلوماسية إلى أن الخطة تركز على تحقيق وقف مستدام لإطلاق النار بدلاً من السعي لتسوية شاملة للنزاعات الإقليمية. يهدف المقترح إلى "تجميد" الصراع، على أمل أن يؤدي وقف الأعمال العدائية إلى تهيئة بيئة مواتية لمفاوضات سياسية مستقبلية. وتتضمن المبادرة عدة ركائز أساسية:
- وقف فوري لإطلاق النار وفصل القوات على طول خطوط التماس الحالية.
 - إنشاء منطقة منزوعة السلاح واسعة النطاق تخضع لمراقبة قوات حفظ سلام دولية.
 - تقديم ضمانات أمنية قوية لأوكرانيا من قبل تحالف من الدول الغربية، ولكن خارج إطار حلف الناتو.
 - حزمة مساعدات اقتصادية بمليارات الدولارات لإعادة إعمار أوكرانيا، مرتبطة بتحقيق إصلاحات محددة.
 - تأجيل البت في الوضع النهائي للأراضي التي تسيطر عليها روسيا حاليًا إلى مرحلة لاحقة.
 
الموقف الروسي والتحول في المنظور
في تصريح محوري، وصف وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف النهج الأوروبي بأنه "سلام بلا اعتراف بالواقع". وخلال حديثه مع الصحفيين في ٢١ أكتوبر ٢٠٢٥، قبيل اجتماع تحضيري محتمل مع نظيره الأمريكي ماركو روبيو، أوضح لافروف أن أي تسوية في أوكرانيا لا يمكن فصلها عن المطالب الأمنية الأوسع لروسيا. وتكتسب هذه التصريحات أهمية خاصة كونها تأتي في سياق التحضير لقمة مرتقبة قد تجمع بين الرئيسين بوتين وترمب.
تعكس تصريحات لافروف تحولاً استراتيجيًا في رؤية الكرملين؛ فموسكو لم تعد تنظر إلى الصراع من منظور عسكري فقط، بل تعتبره ورقة ضغط لفرض إعادة تفاوض شاملة حول بنية الأمن في أوروبا بعد الحرب الباردة. ويشمل ذلك المطالبة بضمانات ملزمة قانونًا بعدم توسع الناتو شرقًا وإزالة بعض البنى التحتية العسكرية من دول أوروبا الشرقية. من هذا المنطلق، ترى موسكو أن الخطة الأوروبية تفشل لأنها تعالج أعراض الأزمة في أوكرانيا، دون التطرق إلى ما تعتبره السبب الجذري، وهو اختلال توازن القوى في القارة.
خلفية المبادرة: إرهاق الحرب والتحولات الجيوسياسية
يأتي ظهور هذه الخطة الأوروبية في وقت يتزايد فيه ما يُعرف بـ "إرهاق الحرب" لدى بعض شركاء أوكرانيا الغربيين الرئيسيين. فقد أدت سنوات من الصراع إلى تكاليف بشرية واقتصادية باهظة، مما زاد من الضغوط الداخلية في عدة عواصم أوروبية لإيجاد مخرج من الأزمة، حتى لو كان غير مثالي. كما أن حالة الجمود في جبهات القتال، مع عجز أي من الطرفين عن تحقيق نصر عسكري حاسم، قد عززت من البحث عن بدائل دبلوماسية.
ويمثل المشهد السياسي المتغير في الولايات المتحدة حافزًا رئيسيًا آخر. فقد أثار احتمال عودة إدارة ترمب درجة عالية من عدم اليقين بشأن مستقبل الدعم الأمريكي لأوكرانيا. وقد يسعى القادة الأوروبيون من خلال هذه المبادرة إلى تأسيس مسار دبلوماسي خاص بهم وتقديم موقف أوروبي موحد قبل أن تتمكن أي اتفاقيات ثنائية محتملة بين واشنطن وموسكو من تهميش دورهم وإعادة تشكيل أمن القارة دون مشاركتهم.
التحديات الرئيسية وردود الفعل المحتملة
تتمثل العقبة الأكبر أمام الخطة في قبولها الضمني لخطوط التماس الحالية كأساس لوقف إطلاق النار، وهو أمر ترفضه كييف بشكل قاطع. فالحكومة الأوكرانية تتمسك بموقفها الثابت بأن السلام العادل والدائم لا يمكن تحقيقه إلا بالاستعادة الكاملة لسيادتها ووحدة أراضيها ضمن حدود عام 1991. وسيمثل قبول "تجميد" الصراع إضفاءً للشرعية بحكم الأمر الواقع على المكاسب الإقليمية الروسية، وهو ما يعد خطًا أحمر للقيادة والشعب الأوكراني.
من المتوقع أن تكون ردود الفعل الدولية منقسمة. ففي حين قد تدعم بعض دول أوروبا الغربية المبادرة بحذر كخطوة براغماتية لوقف إراقة الدماء، من المرجح أن تنظر إليها دول أوروبا الشرقية، وخاصة المتاخمة لروسيا، كعمل من أعمال الاسترضاء الخطيرة التي لن تؤدي إلا إلى تشجيع موسكو. وسيكون الموقف النهائي للولايات المتحدة حاسمًا في تحديد مدى نجاح الخطة، والذي لا يزال يكتنفه الغموض.
الأهمية والآفاق المستقبلية
على الرغم من عيوبها، تعد المبادرة الأوروبية خطوة مهمة لأنها تمثل محاولة جادة لكسر الجمود الدبلوماسي. وتسلط الضوء على نقاش متزايد داخل الغرب بين السعي لتحقيق "نصر" لأوكرانيا، يُعرَّف بأنه الطرد الكامل للقوات الروسية، وبين القبول بـ "سلام مستقر" ينهي القتال ولكنه يترك قضايا سياسية كبرى دون حل. وسيكون لنتائج هذا النقاش تداعيات عميقة ليس فقط على مستقبل أوكرانيا، بل على النظام الأمني بأكمله في أوروبا. ولا يزال الطريق إلى الأمام محفوفًا بالصعوبات، حيث تبدو الفجوة بين المطالب الأمنية القصوى لروسيا ومبادئ السيادة غير القابلة للتفاوض لأوكرانيا أوسع من أي وقت مضى.





