أوروبا في مواجهة حرب روسية هجينة تتجاوز حدود أوكرانيا
تزايدت في الآونة الأخيرة التحذيرات الصادرة عن قادة ومسؤولين عسكريين في مختلف أنحاء أوروبا، مشيرة إلى أن القارة تواجه تهديدًا متصاعدًا من روسيا لا يقتصر على المواجهة العسكرية التقليدية، بل يتخذ شكل "حرب هجينة" معقدة. هذا النوع من الصراع يهدف إلى زعزعة استقرار المجتمعات الأوروبية، وتقويض وحدتها، وإضعاف دعمها لأوكرانيا، وذلك عبر استخدام أدوات غير عسكرية إلى جانب الضغط العسكري.

تصاعد التحذيرات الرسمية
أعرب العديد من القادة الأوروبيين وخبراء الأمن عن قلقهم العميق إزاء الاستراتيجية الروسية طويلة الأمد. ففي دول مثل ألمانيا، السويد، ودول البلطيق، صدرت تصريحات رسمية تدعو إلى ضرورة الاستعداد لمواجهة محتملة، ليس بالضرورة غزوًا شاملاً، بل حالة مستمرة من التوتر والعدوانية التي تستهدف البنية التحتية والمجتمعية. وتشير هذه التحذيرات إلى أن الصراع في أوكرانيا لم يكن سوى بداية لمرحلة جديدة من المواجهة بين روسيا والغرب، حيث أصبحت الخطوط الفاصلة بين الحرب والسلام غير واضحة.
مظاهر الحرب الهجينة وتكتيكاتها
تعتمد الحرب الهجينة التي تشنها روسيا، بحسب التقارير الاستخباراتية الأوروبية، على مجموعة متنوعة من الأساليب التي تستهدف نقاط الضعف في المجتمعات المفتوحة. وتشمل أبرز هذه المظاهر ما يلي:
- الهجمات الإلكترونية: استهداف شبكات الكمبيوتر للمؤسسات الحكومية، والمستشفيات، وشركات الطاقة، والبنوك. تهدف هذه الهجمات إلى تعطيل الخدمات الحيوية، وسرقة البيانات الحساسة، وخلق حالة من الفوضى وانعدام الثقة في المؤسسات.
 - حملات التضليل الإعلامي: نشر معلومات كاذبة ومضللة بشكل ممنهج عبر وسائل الإعلام الحكومية الروسية ومنصات التواصل الاجتماعي. تسعى هذه الحملات إلى تأجيج الانقسامات السياسية والاجتماعية داخل الدول الأوروبية، والتأثير على الرأي العام والعمليات الانتخابية، وتشويه صورة أوكرانيا وحلفائها.
 - التشويش على أنظمة الملاحة (GPS): تم رصد عمليات تشويش واسعة النطاق على إشارات نظام تحديد المواقع العالمي (GPS) في منطقة بحر البلطيق وأجزاء من شمال أوروبا، مما أثر على سلامة الطيران المدني والملاحة البحرية. وتُنسب هذه العمليات إلى أنظمة الحرب الإلكترونية الروسية المتمركزة في جيب كالينينغراد.
 - عمليات الطائرات المسيرة مجهولة المصدر: شهدت عدة دول، منها ألمانيا والدنمارك والنرويج، حوادث تحليق طائرات مسيرة مجهولة الهوية فوق مطارات رئيسية ومنشآت نفط وغاز. وقد أدت هذه الحوادث إلى إغلاق المجال الجوي مؤقتًا وإثارة مخاوف أمنية جدية بشأن نوايا هذه العمليات وقدرتها على استطلاع أو تعطيل البنية التحتية الحيوية.
 
الأهداف الروسية ورد الفعل الأوروبي
يرى المحللون أن الهدف الاستراتيجي لروسيا من هذه الأنشطة هو إرهاق أوروبا واستنزافها على المدى الطويل، وخلق بيئة من عدم اليقين تجعل من الصعب على الحكومات الأوروبية الحفاظ على جبهة موحدة ضد موسكو. ومن خلال هذه التكتيكات، تسعى روسيا لاختبار دفاعات حلف شمال الأطلسي (الناتو) وسرعة استجابته، دون تجاوز عتبة الهجوم العسكري المباشر الذي قد يستدعي تفعيل المادة الخامسة من ميثاق الحلف.
في المقابل، بدأت الدول الأوروبية باتخاذ خطوات جادة لتعزيز قدراتها الدفاعية وقدرتها على الصمود. وشملت هذه الإجراءات زيادة الإنفاق العسكري للوصول إلى نسبة 2% من الناتج المحلي الإجمالي التي يحددها الناتو، وتعزيز التعاون في مجال الأمن السيبراني، وتطوير استراتيجيات لمكافحة المعلومات المضللة، بالإضافة إلى إجراء تدريبات عسكرية مشتركة واسعة النطاق لمحاكاة سيناريوهات الدفاع الجماعي.




