قائد الجيش النرويجي: التعاون الأوروبي كفيل بردع التهديد الروسي
أكد قائد القوات المسلحة النرويجية، الجنرال إيريك كريستوفرسن، في تصريحات حديثة أن النرويج وحلفاءها الأوروبيين ضمن حلف شمال الأطلسي (الناتو) يمتلكون القدرات الكافية لردع روسيا، التي وصفها بأنها التهديد الأمني الأبرز للمنطقة. تأتي هذه التصريحات في وقت حاسم تشهد فيه منطقة شمال أوروبا تحولات استراتيجية عميقة، مدفوعة بتداعيات الحرب في أوكرانيا والتوسع التاريخي لحلف الناتو.

خلفية التوترات في منطقة الشمال
تغير المشهد الأمني في شمال أوروبا بشكل جذري منذ بدء الغزو الروسي لأوكرانيا في فبراير 2022. فبالنسبة للنرويج، التي تشترك في حدود برية وبحرية مع روسيا في منطقة القطب الشمالي، لم تكن التهديدات مجرد افتراضات نظرية. لطالما كانت المنطقة، المعروفة باسم "الشمال الأعلى"، نقطة احتكاك استراتيجي بسبب أهميتها العسكرية ومواردها الطبيعية وممراتها الملاحية. وقد أدى العدوان الروسي إلى تعزيز القناعة لدى دول الشمال بضرورة توحيد صفوفها الدفاعية لمواجهة أي طموحات روسية مستقبلية.
تعزيز القدرات الدفاعية النرويجية
استجابةً للبيئة الأمنية المتغيرة، شرعت النرويج في تنفيذ خطة طموحة لتعزيز قدراتها العسكرية بشكل كبير. وتعمل الحكومة على زيادة الإنفاق الدفاعي للوصول إلى نسبة 2% من الناتج المحلي الإجمالي التي يوصي بها حلف الناتو، مع خطط لتجاوز هذا الهدف في السنوات القادمة. تركز استراتيجية التحديث على عدة محاور رئيسية:
- تحديث القوات البحرية: يجري العمل على تحديث أسطول الغواصات والسفن السطحية لضمان السيطرة على الممرات البحرية الحيوية في شمال الأطلسي.
- تعزيز القوات الجوية: تستمر النرويج في استلام وتفعيل طائرات F-35 المقاتلة، مما يمنحها تفوقاً جوياً وقدرات هجومية متقدمة.
- تطوير الدفاعات البرية: يتم الاستثمار في أنظمة الدفاع الجوي بعيدة المدى والأسلحة الدقيقة لتعزيز قدرة البلاد على حماية بنيتها التحتية الحيوية ومراكزها السكانية.
دور الناتو وتكامل دول الشمال
يمثل انضمام فنلندا، ومؤخراً السويد، إلى حلف الناتو نقطة تحول تاريخية. فقد أدى هذا التوسع إلى إنشاء تكتل دفاعي شمالي متكامل ضمن الحلف، مما يعزز بشكل كبير من قدرة الردع الجماعي. لم تعد النرويج تمثل الحافة الشرقية للناتو في الشمال بمفردها، بل أصبحت جزءاً من جبهة متصلة تمتد عبر الدول الاسكندنافية. هذا التكامل يسهل التخطيط العسكري المشترك، ويسمح بتنسيق استخدام القواعد الجوية والموانئ، ويعزز فعالية العمليات المشتركة، كما ظهر في مناورات ضخمة مثل "الاستجابة الشمالية" (Nordic Response) التي استضافتها المنطقة مؤخراً بمشاركة آلاف الجنود من الدول الحليفة.
أهمية الرسالة النرويجية
تكتسب تصريحات الجنرال كريستوفرسن أهميتها من كونها رسالة مزدوجة. فمن جهة، هي رسالة ردع واضحة موجهة إلى موسكو، تؤكد أن أي مغامرة عسكرية في المنطقة ستواجه برد فعل جماعي وقوي. ومن جهة أخرى، هي رسالة طمأنة للرأي العام المحلي والحلفاء، مفادها أن الاستثمارات الدفاعية والتعاون الوثيق يجعلان النرويج وأوروبا في وضع قوي للدفاع عن سيادتهما وأمنهما. ورغم الاعتراف بأن روسيا ستظل التحدي الأمني الأكبر على المدى الطويل، إلا أن الشعور السائد لدى القيادة العسكرية النرويجية هو الثقة بالقدرة على مواجهة هذا التحدي بفعالية.




