خلاف حول اتفاق غاز مع مصر يتسبب في إلغاء زيارة وزير الطاقة الأمريكي لإسرائيل
أُلغيت زيارة رفيعة المستوى كان من المقرر أن يقوم بها وزير الطاقة الأمريكي إلى إسرائيل هذا الأسبوع، في خطوة مفاجئة تعكس وجود خلافات عميقة بين إسرائيل ومصر بشأن اتفاقية استراتيجية لتصدير الغاز الطبيعي. وأكدت مصادر دبلوماسية أن قرار الإلغاء جاء بعد تعثر المفاوضات بين القاهرة وتل أبيب للتوصل إلى صيغة نهائية لتوسيع الاتفاقية القائمة، مما دفع واشنطن إلى تأجيل الزيارة التي كان يُنظر إليها على أنها فرصة لتعزيز التعاون الإقليمي في مجال الطاقة.

خلفية الاتفاقية وأهميتها الاستراتيجية
تُعد الشراكة في مجال الطاقة بين إسرائيل ومصر حجر زاوية في العلاقات الاقتصادية بين البلدين، وقد اكتسبت أهمية دولية متزايدة في السنوات الأخيرة. فبعد اكتشاف حقول غاز ضخمة قبالة سواحلها، مثل حقلي تمار ولوثيان، تحولت إسرائيل من دولة مستوردة للطاقة إلى لاعب رئيسي في سوق الغاز الإقليمي. ونظرًا لامتلاك مصر بنية تحتية متطورة ومحطتين لإسالة الغاز الطبيعي (في إدكو ودمياط)، برزت كشريك طبيعي لإسرائيل لتسييل الغاز وتصديره إلى الأسواق العالمية، وخاصة أوروبا.
تم توقيع الاتفاقية الأولية في عام 2018، وكانت بقيمة تقدر بنحو 15 مليار دولار، ونصت على تزويد مصر بالغاز الإسرائيلي. ومنذ ذلك الحين، تم تعديل الاتفاق وتوسيعه عدة مرات لتلبية الطلب الأوروبي المتزايد على مصادر طاقة بديلة للغاز الروسي، خاصة بعد اندلاع الحرب في أوكرانيا. وبموجب هذا التعاون، تضخ إسرائيل الغاز عبر خطوط أنابيب إلى مصر، حيث تتم معالجته وتسييله قبل شحنه على متن ناقلات إلى القارة الأوروبية، مما يعزز دور مصر كـمركز إقليمي للطاقة ويوفر لإسرائيل عائدات اقتصادية كبيرة ونفوذاً جيوسياسياً.
طبيعة الخلافات الحالية
وفقًا لمصادر مطلعة على سير المفاوضات، تتمحور الخلافات الحالية حول عدة نقاط فنية وتجارية معقدة. ورغم سرية المحادثات، تشير التسريبات إلى أن النقاشات وصلت إلى طريق مسدود بسبب تباين وجهات النظر في القضايا التالية:
- التسعير والكميات: تسعى إسرائيل إلى تعديل أسعار الغاز في العقود المستقبلية لتعكس الارتفاع الكبير في أسعار الطاقة العالمية، بينما ترغب مصر في الحفاظ على الأسعار ضمن الأطر المتفق عليها سابقًا، معتبرةً أن استثماراتها في البنية التحتية تمنحها موقفًا تفاوضيًا قويًا.
- الاستثمارات المستقبلية: يدور الخلاف أيضاً حول خطط التوسع المستقبلية، بما في ذلك تمويل وتطوير خط أنابيب جديد أو زيادة قدرة محطات الإسالة المصرية. وتفيد التقارير بوجود خلاف حول آلية تقاسم التكاليف والعوائد المترتبة على هذه المشاريع الضخمة.
- عوامل سياسية: تجري هذه المفاوضات التجارية في ظل مناخ سياسي إقليمي متوتر. ويعتقد محللون أن التوترات السياسية الأوسع في الشرق الأوسط قد ألقت بظلالها على المحادثات، مما زاد من صعوبة التوصل إلى حلول وسط للمسائل التجارية العالقة.
أسباب إلغاء الزيارة وتداعياته
كان من المتوقع أن تشهد زيارة وزير الطاقة الأمريكي التوقيع على اتفاقية محدثة أو إعلان مشترك يعزز الشراكة الثلاثية بين الولايات المتحدة وإسرائيل ومصر في مجال الطاقة. ويمثل إلغاء الزيارة إشارة واضحة من واشنطن على أن الخلافات بين حليفيها الرئيسيين في المنطقة قد وصلت إلى مستوى حرج، وأن الظروف الحالية غير مواتية لزيارة دبلوماسية ناجحة.
ويحمل هذا التطور تداعيات مهمة على عدة مستويات. فعلى الصعيد الدبلوماسي، يُعد ذلك نكسة للجهود الأمريكية الرامية إلى بناء تحالف طاقة مستقر في شرق البحر المتوسط لمواجهة النفوذ الروسي وتعزيز أمن الطاقة الأوروبي. أما على الصعيد الاقتصادي، فإن أي تأخير في توسيع صادرات الغاز قد يؤثر على خطط أوروبا لتنويع مصادر الطاقة ويخلق حالة من عدم اليقين لدى الشركات المستثمرة في قطاع الطاقة بالمنطقة. كما يسلط الضوء على هشاشة العلاقات الاقتصادية التي، رغم قوتها الظاهرية، تظل عرضة للتأثر بالديناميكيات السياسية المعقدة في الشرق الأوسط.
ردود الفعل الأولية
التزم المسؤولون في الدول الثلاث الصمت إلى حد كبير، واكتفت التصريحات الرسمية بالحد الأدنى. فقد أصدرت وزارة الطاقة الأمريكية بيانًا مقتضبًا أشارت فيه إلى أن الزيارة "تم تأجيلها" لمنح الشركاء "مزيدًا من الوقت لاستكمال مناقشاتهم الفنية"، دون الخوض في تفاصيل. من جانبها، لم تصدر أي تعليقات رسمية فورية من الحكومتين الإسرائيلية أو المصرية، إلا أن مصادر غير رسمية في كلا البلدين أكدت استمرار التواصل بهدف جسر هوة الخلافات والعودة إلى طاولة المفاوضات في أقرب وقت ممكن، إدراكًا للأهمية الاستراتيجية لهذه الشراكة لجميع الأطراف.





