دعوة ملكية لتسريع إصلاح التعليم والصحة في المغرب
في خطاب افتتاحي ألقاه يوم الجمعة بمناسبة افتتاح الدورة الأولى من السنة التشريعية الخامسة من الولاية التشريعية الحادية عشرة، وجه الملك محمد السادس دعوة واضحة للحكومة والبرلمان، مؤكداً على ضرورة تسريع وتيرة النهوض بقطاعي التعليم والصحة في البلاد. يأتي هذا التوجيه الملكي في سياق استكمال أوراش الإصلاح الكبرى التي يشهدها المغرب، لاسيما ورش تعميم الحماية الاجتماعية والنموذج التنموي الجديد.

الخلفية والاستراتيجية الوطنية
لطالما شكّل قطاعا التعليم والصحة أولويتين في الأجندة التنموية للمغرب، نظراً لدورهما المحوري في بناء رأس المال البشري وتحقيق العدالة الاجتماعية. الدعوة الملكية لـ "وتيرة أسرع" تعكس إدراكاً لأهمية تجاوز التحديات البيروقراطية والإجرائية، والانتقال نحو نتائج ملموسة يشعر بها المواطن بشكل مباشر. هذه المطالبة بالتسريع تنسجم مع الرؤية الطموحة لـالنموذج التنموي الجديد الذي يسعى لتحقيق تنمية شاملة ومستدامة، تضع المواطن في صلب اهتماماتها.
شهد المغرب خلال السنوات الماضية إطلاق برامج إصلاحية متعددة في هذين القطاعين. ففي مجال الصحة، يتم حالياً تنفيذ "ورش الحماية الاجتماعية" الطموح، الذي يهدف إلى تعميم التغطية الصحية الإجبارية بحلول عام 2025، لتشمل جميع المغاربة. أما التعليم، فقد شهد أيضاً مراجعات للمناهج وتدابير لتحسين جودة التكوين والأداء. ومع ذلك، تشير التوجيهات الملكية إلى أن وتيرة الإنجازات لم ترق بعد إلى مستوى الطموحات الوطنية وتطلعات المواطنين.
التحديات الملحة في قطاع التعليم
يواجه قطاع التعليم في المغرب تحديات هيكلية عميقة. من أبرز هذه التحديات جودة التعلمات التي لا تزال دون المستوى المأمول، والفوارق الصارخة بين التعليم العمومي والخاص، وبين المناطق الحضرية والقروية، مما يؤثر على تكافؤ الفرص. كما يبرز تحدي تأهيل وتكوين الأطر التربوية، وضمان استقطاب الكفاءات والحفاظ عليها، بالإضافة إلى ملاءمة المناهج التعليمية لمتطلبات سوق الشغل المتغير.
تتزايد الدعوات لمعالجة ظاهرة الهدر المدرسي، خاصة في المناطق القروية والنائية، وتعزيز دور التعليم التقني والمهني ليكون رافعة للتنمية الاقتصادية. فالملك شدد مراراً على أن إصلاح التعليم ليس مجرد تحدٍ بيداغوجي، بل هو استثمار استراتيجي في مستقبل البلاد وقدرتها على التنافس عالمياً.
متطلبات النهوض بالصحة العمومية
أما قطاع الصحة، فرغم الجهود المبذولة، لا يزال يعاني من ضغوطات كبيرة. تشمل هذه الضغوط نقصاً في الموارد البشرية، لاسيما الأطباء والممرضين، وتوزيعاً غير متوازن للكفاءات عبر التراب الوطني. كما تشكل البنية التحتية الصحية، خاصة في الأقاليم البعيدة، نقطة ضعف تتطلب استثمارات ضخمة. إن الطلب المتزايد على الخدمات الصحية، وارتفاع التوقعات من المواطنين، يستلزم تسريع الخطى في توفير الرعاية الصحية الجيدة والمتاحة للجميع.
تعتبر المطالبة الملكية بتسريع الوتيرة بمثابة حافز لدفع عجلة تنفيذ ورش تعميم التغطية الصحية الإجبارية، الذي يتطلب ليس فقط تعميم التأمين، بل أيضاً تعزيز العرض الصحي من خلال بناء وتجهيز المستشفيات والمراكز الصحية، وتطوير الأنظمة الرقمية، وتحسين حكامة القطاع لضمان الشفافية والفعالية في تدبير الموارد.
الآفاق والتأثير المستقبلي
تُعد هذه الدعوة الملكية بمثابة خارطة طريق واضحة للحكومة والبرلمان، وتُشير إلى مرحلة جديدة تتطلب عملاً أكثر جدية وفعالية. يهدف هذا التوجيه إلى تجاوز العقبات التي قد تعيق تنفيذ الإصلاحات، وضمان أن تصل ثمارها إلى جميع المواطنين، دون تمييز. فجودة التعليم والصحة تُعتبران ركيزتين أساسيتين لتعزيز المواطنة وتحقيق التماسك الاجتماعي.
إن تحقيق "وتيرة أسرع" في هذين القطاعين سيعزز من قدرة المغرب على بناء اقتصاد المعرفة، وتحسين مؤشرات التنمية البشرية، ويؤكد على التزام المملكة بمسار التنمية الشاملة التي تضمن الكرامة والرفاه لكل فرد. هذا التأكيد الملكي يُلزم جميع الأطراف المعنية ببلورة خطط عمل واضحة وبتحديد مؤشرات أداء قابلة للقياس لضمان تحقيق الأهداف في الآجال المحددة.





