رحيل مفاجئ للفنان سمير ربيع يُحدث فراغاً كبيراً في الساحة الفنية المصرية
شهدت الساحة الفنية المصرية أواخر عام 2023، وتحديداً في الحادي والثلاثين من ديسمبر، صدمة كبيرة برحيل قامة فنية وأكاديمية بارزة، هو الفنان التشكيلي والأستاذ الجامعي سمير ربيع. جاء هذا الوداع المفاجئ ليترك فراغاً ليس فقط في قلوب محبيه وطلابه وزملائه، بل في نسيج الحركة التشكيلية المصرية بأسرها، التي فقدت بوفاته أحد أبرز روادها ومؤثريها الذين ساهموا في تشكيل ملامحها الحديثة على مدار عقود.

من هو سمير ربيع؟
يُعد سمير ربيع، المولود في عام 1947، واحداً من أبرز فناني النحت والتصوير في مصر، تميز بمسيرة فنية وأكاديمية حافلة بالإنجازات والعطاء، امتدت لأكثر من خمسة عقود. تخرج من قسم النحت بكلية الفنون الجميلة بجامعة حلوان عام 1970، ثم حصل على درجتي الماجستير والدكتوراه من الكلية ذاتها، ليصبح فيما بعد أستاذاً للنحت ورئيساً لقسمه لفترات طويلة. كرّس ربيع حياته لتعليم الفن ونشره، مشكّلاً بذلك أجيالاً متتابعة من الفنانين التشكيليين الذين تتلمذوا على يديه وتأثروا بمنهجه الفكري والفني. لم يكن ربيع مجرد فنان أكاديمي فحسب، بل كان فناناً يمتلك رؤية متفردة، حيث مزج في أعماله بين الأصالة المصرية العريقة والمعاصرة العالمية، محافظاً على هوية بصرية خاصة به تُعبر عن تفاعله العميق مع قضايا مجتمعه ووجوده الإنساني في عالم متغير.
إرث فني وأكاديمي
تضمنت مسيرة سمير ربيع الفنية إقامة العديد من المعارض الشخصية المرموقة داخل مصر وخارجها، من بينها معارض مهمة في قاعات شهيرة، كما شارك في عشرات المعارض الجماعية والملتقيات الفنية الدولية البارزة، منها بينالي القاهرة الدولي، وبينالي فينيسيا للفنانين العرب. عُرضت أعماله الفنية المتميزة في متاحف كبرى، مثل متحف الفن المصري الحديث بالقاهرة، وفي مقتنيات خاصة وعامة حول العالم، مما يؤكد مكانته الرفيعة والمحترمة دولياً. تميزت أعماله النحتية والتصويرية بالعمق الفلسفي والجرأة في التعبير عن الأفكار والمشاعر، حيث استخدم مواد وتقنيات متنوعة لتقديم رؤاه الإبداعية. نال ربيع العديد من الجوائز التقديرية المرموقة عن مجمل أعماله ومساهماته الفنية طوال مسيرته، منها جوائز في محافل دولية ومحلية، مما جعله مرجعاً أساسياً في الفن التشكيلي المصري والعربي. على الصعيد الأكاديمي، كان له دور محوري في تطوير المناهج الدراسية وإثراء الحراك الثقافي في كلية الفنون الجميلة، حيث كان يؤمن بأن الفن رسالة نبيلة يجب أن تصل إلى كل الأوساط وتلامس أرواح الناس.
ردود الفعل والوداع
أثار نبأ رحيل الفنان الكبير سمير ربيع حزناً عميقاً في الأوساط الثقافية والفنية المصرية والعربية. فقد سارعت وزارة الثقافة المصرية، ممثلة في وزيرة الثقافة ونقابة الفنانين التشكيليين، وعدد كبير من الجامعات والمؤسسات الفنية، إلى نعي الفقيد، مشيدين بدوره الرائد والمحوري في إثراء الحركة الفنية وخدمة التعليم الأكاديمي للفنون. وصف الكثير من زملائه وطلابه، الذين تتلمذوا على يديه، ربيع بأنه كان معلماً ملهماً وقدوة حسنة، وصديقاً عزيزاً للجميع، وأنه ترك بصمة لا تُمحى في ذاكرة الفن المصري الحديث. تُعتبر الجنازة المهيبة التي أُقيمت له، والتي حضرها حشد كبير من الفنانين والأكاديميين والطلاب والشخصيات العامة، دليلاً واضحاً على الحب والاحترام الكبير الذي حظي به الراحل في حياته وبعد مماته.
الأهمية والتأثير المستقبلي
يُعد رحيل سمير ربيع ليس مجرد خسارة فنان موهوب فحسب، بل هو فقدان لركن أساسي من أركان الثقافة الفنية المصرية المعاصرة. فبجانب كونه فناناً مبدعاً أصيلاً، كان رائداً أكاديمياً جليلاً ساهم بفعالية في تشكيل مسار أجيال متعاقبة من الفنانين الذين سيحملون مشعل الفن من بعده. الفراغ الذي تركه ليس فقط فراغاً في عدد الأعمال الفنية المضافة، بل هو فراغ في الحكمة والخبرة العميقة والتوجيه الفني الثمين الذي كان يقدمه لطلابه ومجتمعه الفني على حد سواء. من المتوقع أن تبقى أعماله وإرثه الأكاديمي مصدراً دائماً للإلهام والدراسة والتحليل، وأن تستمر رؤيته الفنية في التأثير على الحركة التشكيلية المصرية لسنوات طويلة قادمة، تذكيراً بدوره الذي لا يُنسى في الارتقاء بالذوق الفني وتقديم الجديد والمختلف في عالم الفن التشكيلي.





