رفض فلسطيني شامل لمقترح إشراك توني بلير في إدارة مستقبل غزة
في تطور لافت ضمن المباحثات الدولية الجارية حول مستقبل قطاع غزة لمرحلة ما بعد الحرب، أثار مقترح منسوب للرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، يتعلق بتعيين رئيس الوزراء البريطاني الأسبق توني بلير في منصب قيادي ضمن مجلس انتقالي لإدارة القطاع، موجة رفض قاطعة وشاملة من مختلف الأطياف السياسية الفلسطينية. وقد جاء هذا الرفض الموحد ليعكس حالة من انعدام الثقة العميق تجاه أي حلول خارجية لا تضع المصالح والحقوق الفلسطينية في مقدمة أولوياتها.

تفاصيل الخطة المقترحة وردود الفعل
برزت الخطة المزعومة خلال الأيام القليلة الماضية، وتتحدث عن تشكيل ما يسمى بـ"مجلس سلام غزة"، وهو هيئة دولية مؤقتة تُكلف بإدارة شؤون القطاع المدنية والأمنية بعد انتهاء العمليات العسكرية. ووفقاً للتسريبات، تم طرح اسم توني بلير لتولي دور محوري في هذا المجلس، إما كرئيس له أو كمبعوث خاص يتمتع بصلاحيات واسعة، وذلك بالنظر إلى خبرته السابقة كمبعوث للجنة الرباعية الدولية للسلام في الشرق الأوسط.
بمجرد تداول هذه الأنباء، توالت ردود الفعل الرافضة من الفصائل الفلسطينية الكبرى، التي أجمعت على أن مستقبل غزة هو شأن فلسطيني داخلي لا يمكن أن يقرره لاعبون دوليون، خاصة أولئك الذين يحملون تاريخاً يُنظر إليه بعين الريبة. واعتبرت الفصائل أن إقحام شخصية مثل بلير ليس إلا محاولة لفرض وصاية أجنبية وإعادة إنتاج نماذج الإدارة التي تتجاوز الإرادة الشعبية الفلسطينية.
أسباب الرفض الفلسطيني الموحد
ينبع الموقف الفلسطيني الموحد من عدة اعتبارات جوهرية تتعلق بتاريخ توني بلير السياسي ومواقفه السابقة من القضية الفلسطينية، ويمكن تلخيصها في النقاط التالية:
- الانحياز التاريخي لإسرائيل: ترى القوى الفلسطينية أن بلير، خلال فترة رئاسته للحكومة البريطانية وبعدها، تبنى مواقف تتسم بالانحياز الواضح لإسرائيل، ولم يمارس أي ضغط حقيقي عليها لوقف الاستيطان أو الالتزام بقرارات الشرعية الدولية.
- دوره في حرب العراق: لا يزال إرث مشاركة بريطانيا تحت قيادته في غزو العراق عام 2003 يلقي بظلاله على مصداقيته في العالم العربي. وينظر كثيرون إلى هذا الدور كدليل على اتباعه للسياسات الأمريكية في المنطقة دون تمحيص، مما يجعله غير مؤهل لقيادة أي عملية لإعادة الاستقرار.
- فترة عمله كمبعوث للرباعية: خلال توليه منصب مبعوث اللجنة الرباعية الدولية بين عامي 2007 و2015، واجه بلير انتقادات فلسطينية متكررة بأنه ركز على المشاريع الاقتصادية والتنسيق الأمني على حساب المسار السياسي، وفشل في تحقيق أي تقدم ملموس نحو حل الدولتين.
- رفض الوصاية الخارجية: تؤكد الفصائل، وعلى رأسها حركتا حماس وفتح، أن أي ترتيبات لمستقبل غزة يجب أن تكون ضمن إطار وطني فلسطيني جامع، وأن تكون السلطة الفلسطينية، بعد إصلاحها وتفعيلها، هي المرجعية الأساسية بالتعاون مع كافة المكونات الوطنية.
السياق الأوسع: معركة تحديد مستقبل غزة
يأتي هذا الجدل في وقت حاسم تتصاعد فيه النقاشات الدولية والإقليمية حول "اليوم التالي" للحرب في غزة. وتطرح أطراف متعددة، بما في ذلك الولايات المتحدة وإسرائيل ودول عربية، سيناريوهات مختلفة تتراوح بين إعادة السلطة الفلسطينية لإدارة القطاع، أو تشكيل قوة عربية مشتركة، أو إيجاد إدارة مدنية محلية. إن الرفض الفلسطيني القاطع لمقترح إشراك بلير يبعث برسالة واضحة مفادها أن أي حل لا يحظى بقبول فلسطيني واسع ومبني على أساس سياسي يضمن حق تقرير المصير، مصيره الفشل. ويؤكد هذا الموقف على أن الشعب الفلسطيني هو صاحب الحق الأول والأخير في تحديد شكل مستقبله السياسي والإداري، بعيداً عن أي محاولات لفرض حلول فوقية لا تلبي تطلعاته الوطنية.





