قمة أوروبية عربية في باريس تبحث مستقبل غزة في "اليوم التالي" للحرب
في خطوة دبلوماسية تهدف إلى استباق التحديات المستقبلية، استضافت العاصمة الفرنسية باريس اجتماعًا رفيع المستوى ضم مسؤولين أوروبيين وعربًا بارزين. تركزت المباحثات التي جرت في الأيام الأخيرة على وضع رؤية مشتركة لمرحلة ما بعد الحرب في قطاع غزة، وتحديدًا ما يُعرف بخطط "اليوم التالي"، وذلك في خضم الجهود الدولية المكثفة للتوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار بين إسرائيل وحركة حماس.

السياق الدبلوماسي للاجتماع
يأتي هذا الاجتماع في توقيت حاسم، حيث يتزامن مع الضغط الدولي لتنفيذ مقترح وقف إطلاق النار الذي أعلنه الرئيس الأمريكي جو بايدن. هذا المقترح، الذي حظي بدعم دولي واسع، يتألف من ثلاث مراحل تهدف إلى إنهاء القتال بشكل دائم وإعادة الاستقرار إلى المنطقة. يسعى المشاركون في قمة باريس إلى بناء توافق حول كيفية إدارة القطاع سياسيًا وأمنيًا وإنسانيًا بمجرد توقف الأعمال العدائية، مؤكدين أن التخطيط للمستقبل لا يمكن أن ينتظر نهاية الصراع.
الهدف ليس التفاوض على شروط الهدنة نفسها، بل وضع أساس متين لمستقبل مستدام في غزة، وتجنب الفوضى أو الفراغ الأمني الذي قد ينشأ بعد انتهاء العمليات العسكرية. يعكس الاجتماع إدراكًا متزايدًا بأن الحل العسكري وحده لن يحقق سلامًا دائمًا، وأن هناك حاجة ملحة لرؤية سياسية شاملة.
محاور النقاش الرئيسية: إدارة غزة وإعادة الإعمار
شكلت مسألة إدارة قطاع غزة مستقبلًا حجر الزاوية في المباحثات. يسعى المجتمعون إلى إيجاد بديل قابل للتطبيق يضمن الاستقرار ويمنع تجدد الصراع. وتركزت النقاشات على عدة محاور أساسية:
- الإدارة المدنية والسياسية: تم بحث سبل تمكين السلطة الفلسطينية بعد إصلاحها وتأهيلها لتولي المسؤوليات المدنية والإدارية في غزة. يُنظر إلى هذه الخطوة على أنها أساسية لإعادة توحيد الضفة الغربية وقطاع غزة تحت قيادة فلسطينية شرعية واحدة.
- الترتيبات الأمنية: ناقش المسؤولون الخيارات المتاحة لضمان الأمن في القطاع، بما في ذلك إمكانية نشر قوة دولية أو عربية مؤقتة للمساعدة في الحفاظ على النظام وتأمين المساعدات الإنسانية، ومنع أي طرف من فرض سيطرته بالقوة.
- إعادة الإعمار والمساعدات الإنسانية: نظرًا لحجم الدمار الهائل الذي لحق بالبنية التحتية في غزة، تم تخصيص جزء كبير من النقاشات لوضع آليات فعالة لجهود إعادة الإعمار. ويشمل ذلك ضمان وصول المساعدات الإنسانية دون عوائق، وتنسيق التمويل الدولي اللازم لإعادة بناء المنازل والمستشفيات والمدارس.
التحديات ووجهات النظر المتباينة
على الرغم من التوافق العام على ضرورة التخطيط لمستقبل غزة، لا تزال هناك تحديات كبيرة ووجهات نظر متباينة. فالموقف الإسرائيلي الرسمي يرفض عودة السلطة الفلسطينية بشكلها الحالي إلى غزة، بينما ترى الدول العربية والعديد من الدول الأوروبية أن السلطة الفلسطينية هي الشريك الشرعي الوحيد. كما أن مستقبل حركة حماس ودورها السياسي يمثل نقطة خلافية رئيسية.
إضافة إلى ذلك، فإن تأمين التمويل الضخم اللازم لإعادة الإعمار يتطلب ضمانات سياسية وأمنية بأن الاستثمارات لن تذهب سدى بسبب جولة جديدة من العنف. وتعمل الدبلوماسية الحالية على محاولة التوفيق بين هذه المواقف المختلفة للوصول إلى صيغة مقبولة من جميع الأطراف المعنية.
الأهمية والدلالات السياسية
تكمن أهمية اجتماع باريس في كونه يمثل جهدًا دوليًا منسقًا لوضع حلول سياسية بدلًا من الاكتفاء بالتعامل مع الأزمات الإنسانية. إنه يعبر عن قناعة بأن ربط وقف إطلاق النار بمسار سياسي واضح يؤدي إلى حل الدولتين هو السبيل الوحيد لكسر حلقة العنف المتكررة. تعتبر نتائج هذه المباحثات أساسية لتوجيه الجهود الدبلوماسية المستقبلية في المحافل الدولية، مثل الأمم المتحدة، ولبناء زخم دولي يدعم خطة شاملة للسلام في الشرق الأوسط.





