زيلينسكي يسعى لتهدئة ترامب بعد موجة غضب: كشف ما قاله الرئيس الأوكراني
في أواخر عام 2019، وجد الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي نفسه في موقف دبلوماسي دقيق للغاية، حيث سعى إلى استرضاء الرئيس الأمريكي آنذاك دونالد ترامب بعد سلسلة من التصريحات التي عكست استياء الأخير من أوكرانيا. جاءت هذه الجهود في خضم توترات كبيرة تتعلق بالمساعدات العسكرية الأمريكية لكييف، وفي سياق اتهامات بأن ترامب كان يضغط على زيلينسكي للتحقيق في خصوم سياسيين محتملين في الولايات المتحدة. هذه التطورات لم تضع أوكرانيا في مرمى النيران السياسية فحسب، بل أشعلت أيضًا أزمة سياسية داخلية في واشنطن أدت في النهاية إلى إجراءات عزل ضد الرئيس ترامب.

خلفية الأزمة: المساعدات والضغوط السياسية
بدأت فصول هذه الأزمة تتكشف في صيف عام 2019. كانت أوكرانيا، التي تخوض صراعًا مستمرًا مع روسيا في شرق البلاد، تعتمد بشكل كبير على المساعدات الأمنية الأمريكية لمواجهة التهديدات الخارجية. ومع ذلك، أمر الرئيس ترامب بحجب ما يقرب من 400 مليون دولار من المساعدات العسكرية المخصصة لأوكرانيا، ما أثار قلقًا واسعًا في الكونغرس الأمريكي، خاصة بين الديمقراطيين وبعض الجمهوريين الذين رأوا في هذه المساعدات ضرورة حيوية للأمن القومي الأوكراني ولمواجهة النفوذ الروسي.
تركزت جوهر الأزمة حول مكالمة هاتفية جرت في 25 يوليو 2019 بين ترامب وزيلينسكي. وفقًا لمذكرة المكالمة التي نشرها البيت الأبيض لاحقًا، طلب ترامب من زيلينسكي "خدمة" تتعلق بالتحقيق في مزاعم الفساد المتعلقة بالرئيس الأوكراني السابق، وكذلك التحقيق في أنشطة هانتر بايدن، نجل جو بايدن، الذي كان حينها منافسًا محتملاً لترامب في الانتخابات الرئاسية لعام 2020. كانت هذه الطلبات مرفقة بتصريحات ترامب حول أن الولايات المتحدة كانت تقدم الكثير لأوكرانيا بينما لم يشارك حلفاء أوروبا بنفس القدر.
محاولات زيلينسكي للتهدئة
مع تصاعد الضغوط والكشف عن تفاصيل المكالمة الهاتفية، وجد الرئيس زيلينسكي نفسه في موقف حرج. كان عليه أن يحافظ على علاقات قوية مع واشنطن لضمان استمرار الدعم الحيوي لبلاده، بينما يتجنب الانخراط في السياسة الداخلية الأمريكية. قام زيلينسكي بعدة خطوات في محاولة لتهدئة ترامب وتبديد مخاوفه:
- إنكار الضغط المباشر: في عدة تصريحات ومقابلات، أكد زيلينسكي أنه لم يشعر بأي "ابتزاز" أو "مقايضة" مباشرة خلال مكالمته مع ترامب. وأشار إلى أن المناقشات كانت ودية ومثمرة، محاولًا بذلك التقليل من حدة الاتهامات الموجهة ضد ترامب.
- التأكيد على مكافحة الفساد: حرص زيلينسكي على التأكيد مرارًا وتكرارًا على التزام حكومته بمكافحة الفساد بشكل مستقل وشفاف، وهو ما كان أحد الشواغل الرئيسية التي أعرب عنها ترامب. كان هذا محاولة لإظهار أن أوكرانيا تستحق المساعدات بناءً على إصلاحاتها الداخلية.
- التعبير عن الامتنان: في جميع تصريحاته، عبر زيلينسكي عن شكره وامتنانه للدعم الأمريكي لأوكرانيا، مع التأكيد على أهمية الشراكة الاستراتيجية بين البلدين.
- الابتعاد عن السياسة الداخلية الأمريكية: تجنب زيلينسكي بشكل قاطع التعليق على قضايا السياسة الداخلية الأمريكية أو الانحياز لأي طرف، مدركًا أن أي تدخل يمكن أن يضر بمصالح أوكرانيا.
تداعيات الأزمة وأهميتها
كانت هذه الأزمة ذات أهمية بالغة لعدة أسباب:
- إجراءات عزل ترامب: أدت القضية الأوكرانية إلى قيام مجلس النواب الأمريكي في ديسمبر 2019 بتوجيه اتهامين لترامب: استغلال السلطة وعرقلة الكونغرس، ليصبح ثالث رئيس أمريكي يخضع لإجراءات العزل. ورغم تبرئته لاحقًا من قبل مجلس الشيوخ، إلا أن القضية تركت بصمة عميقة في المشهد السياسي الأمريكي.
- تأثير على العلاقات الأمريكية-الأوكرانية: كشفت الأزمة عن هشاشة العلاقة بين واشنطن وكييف في ظل إدارة ترامب، وأظهرت كيف يمكن أن تتأثر السياسة الخارجية الأمريكية بالديناميكيات الداخلية. رغم إطلاق المساعدات في النهاية، إلا أن حالة عدم اليقين التي صاحبتها كانت مقلقة لأوكرانيا.
- موقف زيلينسكي الدبلوماسي: أبرزت الأزمة التحديات التي واجهها زيلينسكي كرئيس جديد لدولة تعتمد بشكل كبير على الدعم الدولي، وضرورة التنقل بحذر بين المصالح المتضاربة للقوى الكبرى.
في الختام، مثلت الفترة التي أعقبت "موجة غضب ترامب" اختبارًا حقيقيًا لقدرة زيلينسكي على إدارة الأزمات الدبلوماسية. فرغم الضغوط الهائلة، نجح الرئيس الأوكراني في الحفاظ على خط رفيع بين تأمين الدعم الحيوي لبلاده وتجنب الوقوع كليًا في فخ السياسة الحزبية الأمريكية، مع استمراره في التأكيد على استقلالية أوكرانيا والتزامها بالإصلاحات.





