سكان غزة يتحدون المخاطر ويعودون للمناطق الحدودية قرب 'الخط الأصفر'
في ظل استمرار الحرب وتفاقم الأزمة الإنسانية في قطاع غزة، بدأت آلاف العائلات الفلسطينية النازحة بالعودة إلى مناطقها السكنية المدمرة شمال وشرق القطاع، مقتربة من مناطق أصبحت تعرف محلياً باسم "الخط الأصفر". وتشير هذه التسمية إلى المناطق العازلة التي فرضها الجيش الإسرائيلي بحكم الأمر الواقع على طول الحدود، وهي مناطق تمثل خطورة بالغة على حياة المدنيين. هذه العودة، التي لوحظت بشكل متزايد منذ ربيع عام 2024، لا تعكس تحسناً في الأوضاع الأمنية، بل هي مؤشر على حجم اليأس الذي يدفع السكان إلى الاختيار بين المخاطر المختلفة.

خلفية الوضع: المناطق العازلة و"الخط الأصفر"
لم يكن "الخط الأصفر" يوماً حدوداً رسمية، بل هو مصطلح يستخدمه السكان لوصف المناطق التي يعتبرها الجيش الإسرائيلي نطاقاً أمنياً عملياتياً داخل أراضي قطاع غزة. تمتد هذه المنطقة العازلة من السياج الحدودي إلى عمق يتراوح بين مئات الأمتار وكيلومتر واحد أو أكثر في بعض الأحيان. تاريخياً، كانت المناطق القريبة من الحدود مسرحاً لعمليات عسكرية متكررة، ولكن بعد الهجوم الذي وقع في 7 أكتوبر 2023، وسّعت القوات الإسرائيلية هذا النطاق بشكل كبير، وقامت بتجريف أراضٍ وتدمير مبانٍ لإنشاء منطقة عازلة واضحة. الهدف المعلن من الجانب الإسرائيلي هو منع أي هجمات مستقبلية محتملة من القطاع، مما يجعل أي شخص يدخل هذه المنطقة عرضة للاستهداف المباشر.
دوافع العودة رغم المخاطر
تأتي موجات العودة إلى هذه المناطق الخطرة مدفوعة بمجموعة من العوامل المعقدة، التي تعكس الظروف الكارثية في مناطق النزوح جنوب القطاع، خاصة في مدينة رفح والمناطق المحيطة بها. من أبرز هذه الدوافع:
- الظروف غير الإنسانية في الجنوب: أدى تكدس أكثر من مليون نازح في مساحة جغرافية صغيرة إلى انهيار شبه كامل للبنية التحتية والخدمات. يعاني النازحون من نقص حاد في الغذاء والمياه النظيفة والمأوى، بالإضافة إلى انتشار الأمراض والأوبئة بسبب سوء الصرف الصحي.
- الحنين إلى الوطن: على الرغم من أن منازلهم قد تحولت إلى ركام، يشعر الكثيرون برغبة قوية في العودة إلى أحيائهم وأراضيهم، في محاولة لاستعادة شعور بالاستقرار والهوية بعد أشهر من التشرد.
- تفقّد الممتلكات: يأمل بعض العائدين في العثور على أي من ممتلكاتهم التي يمكن إنقاذها من تحت الأنقاض، أو على الأقل التأكد من مصير منازلهم بأعينهم.
- انسحاب القوات البرية: بعد انسحاب القوات الإسرائيلية من مراكز مدن رئيسية مثل خان يونس في أبريل 2024، اعتقد البعض أن العودة أصبحت ممكنة، رغم أن الجيش لا يزال يسيطر على المناطق الحدودية ويستهدف أي تحرك فيها.
طبيعة المخاطر القائمة
يواجه العائدون إلى المناطق المحاذية لـ"الخط الأصفر" تهديدات يومية ومستمرة لحياتهم. فالمنطقة لا تزال تعتبر ميدان عمليات نشطاً، وتتضمن المخاطر ما يلي:
- إطلاق النار والقصف: تتعرض هذه المناطق بشكل متكرر لإطلاق نار من القناصة وقصف مدفعي من القوات الإسرائيلية المتمركزة على طول الحدود.
- طائرات الاستطلاع والمسيرات: تحلق الطائرات بدون طيار بشكل شبه دائم فوق هذه المناطق، وتقوم أحياناً باستهداف أي أفراد أو مجموعات يتم رصدهم.
- الذخائر غير المنفجرة: خلفت العمليات العسكرية كميات هائلة من القنابل والصواريخ التي لم تنفجر، مما يحول الأراضي والمباني المدمرة إلى حقول ألغام مميتة.
- غياب الخدمات الأساسية: تنعدم في هذه المناطق كافة أشكال الحياة الأساسية، فلا يوجد مياه صالحة للشرب، أو كهرباء، أو مرافق صحية، كما أن وصول المساعدات الإنسانية إليها شبه مستحيل.
تصف التقارير الواردة من هناك حياة بدائية يقيم فيها العائدون في خيام مؤقتة أو هياكل مهدمة، ويعتمدون على ما يمكنهم جمعه من حطب للطهي ومياه ملوثة للشرب، في ظل خوف دائم من المجهول. وقد وثقت منظمات حقوقية ووسائل إعلام دولية، خلال شهري مايو ويونيو 2024، سقوط العديد من الضحايا المدنيين في هذه المناطق أثناء محاولتهم العودة أو البحث عن الطعام.




