سوريا ما بعد الأسد: تساؤلات حول النهج الأمريكي المحتمل تجاه أحمد الشرع
في أعقاب التغيرات الجذرية التي شهدتها سوريا مع انهيار نظام بشار الأسد في أواخر عام 2024، برزت تحديات جيوسياسية معقدة أمام القوى الدولية، وعلى رأسها الولايات المتحدة. ومع سيطرة هيئة تحرير الشام بقيادة أحمد الشرع، المعروف بـ أبو محمد الجولاني، على دمشق، تجد واشنطن نفسها أمام واقع جديد يتطلب إعادة تقييم لسياستها طويلة الأمد في المنطقة، مما يثير جدلاً واسعاً حول طبيعة التعامل المستقبلي مع السلطة الفعلية الجديدة في البلاد.

خلفية المشهد السوري الجديد
تُعد هيئة تحرير الشام فصيلاً ذا جذور معقدة، حيث انبثقت عن جبهة النصرة التي كانت تابعة لتنظيم القاعدة. وعلى الرغم من إعلان الهيئة فك ارتباطها بالقاعدة في عام 2016 وسعيها لتقديم نفسها كحركة سورية وطنية تهدف إلى إسقاط نظام الأسد، لا تزال الولايات المتحدة تصنفها كمنظمة إرهابية. وقد حاول أحمد الشرع خلال السنوات الأخيرة تقديم صورة أكثر اعتدالاً، مؤكداً في خطاباته على حماية الأقليات وتأسيس إدارة مدنية، وهو ما يراقبه المجتمع الدولي بحذر شديد.
موقف الإدارة الأمريكية الحالية
اتسم الموقف الرسمي لإدارة الرئيس جو بايدن بالحذر والترقب. وصرح مسؤولون أمريكيون بأن التصنيف الإرهابي لهيئة تحرير الشام لا يزال قائماً، وأن أي تغيير في السياسة الأمريكية مرهون بأفعال ملموسة على الأرض وليس مجرد تصريحات. وتتركز المطالب الأمريكية على عدة نقاط رئيسية، منها:
- ضمان عدم تحول سوريا إلى ملاذ آمن للجماعات الإرهابية.
- احترام حقوق الإنسان وحماية جميع المكونات الدينية والعرقية في سوريا.
- الانخراط في عملية سياسية شاملة تؤدي إلى انتقال سلمي ومستقر للسلطة.
- التعاون في ملفات إنسانية وأمنية، مثل مصير المعتقلين ومكافحة تهريب المخدرات.
هذا الموقف يعكس سياسة "الانتظار والترقب" التي تهدف إلى تقييم سلوك القيادة الجديدة قبل اتخاذ أي خطوات جوهرية قد تمنحها شرعية دولية.
تحليلات حول سياسة ترامب المحتملة
في خضم هذا المشهد، تبرز تحليلات سياسية تتناول النهج الذي قد يتبعه الرئيس السابق دونالد ترامب في حال عودته إلى البيت الأبيض. ويرى بعض المراقبين أن سياسة ترامب، التي تميل إلى عقد صفقات مباشرة وتغيير التحالفات التقليدية، قد تفتح الباب أمام شكل مختلف من أشكال التعامل مع أحمد الشرع. تستند هذه التحليلات إلى أن ترامب قد يرى في الشرع شخصية يمكن التعامل معها لتحقيق أهداف أمريكية محددة، مثل مواجهة النفوذ الإيراني في سوريا بشكل كامل أو ضمان استقرار يتيح سحب القوات الأمريكية المتبقية. إن فكرة "استمالة حليف جديد"، حتى لو كان مثيراً للجدل، تتماشى مع نهج ترامب البراغماتي في السياسة الخارجية، والذي قد يعطي الأولوية للنتائج المباشرة على الالتزام بالمسارات الدبلوماسية التقليدية أو التصنيفات القانونية القائمة.
الأهمية والتداعيات المستقبلية
إن الجدل الدائر حول السياسة الأمريكية تجاه سوريا الجديدة ليس مجرد نقاش نظري، بل يحمل في طياته تداعيات كبيرة على مستقبل المنطقة. فأي قرار تتخذه واشنطن، سواء بالانخراط المباشر أو استمرار العزلة، سيؤثر بشكل عميق على ميزان القوى الإقليمي، ومسار الحرب ضد الإرهاب، ومستقبل ملايين السوريين. ويبقى السؤال المحوري هو ما إذا كانت الإدارة الأمريكية، الحالية أو المستقبلية، ستجد مساراً للتعامل مع الواقع الذي فرضه أحمد الشرع، أم ستواصل سياسة الضغط والعقوبات، مع ما يحمله كل خيار من فرص ومخاطر على المصالح الأمريكية والاستقرار في الشرق الأوسط.





