صراع السودان: معارك الفاشر الحاسمة ومساعي واشنطن الدبلوماسية
يمر المشهد السوداني بمنعطف حرج، حيث تتشابك خيوط الأزمة بين تصعيد عسكري عنيف في مدينة الفاشر، عاصمة شمال دارفور، وجهود دبلوماسية مكثفة تقودها واشنطن في محاولة لإيجاد مخرج سلمي. ويعتمد مستقبل السودان، الذي يعاني من حرب مدمرة منذ أبريل 2023، بشكل كبير على نتائج هذين المسارين المتوازيين، حيث يدور صراع شرس على الأرض بينما تجري محاولات حثيثة لاحتوائه على الطاولة السياسية.

الأهمية الاستراتيجية والإنسانية للفاشر
لا تُمثل مدينة الفاشر مجرد نقطة جغرافية في الصراع، بل هي مركز ثقل استراتيجي وإنساني. فهي العاصمة التاريخية لإقليم دارفور، وآخر معاقل الجيش السوداني في الإقليم الشاسع الذي تسيطر قوات الدعم السريع على معظم أجزائه. وتكتسب المدينة أهمية إضافية كونها ملاذاً لمئات الآلاف من النازحين الذين فروا من مناطق أخرى في دارفور، مما يجعلها مركزاً حيوياً للعمليات الإنسانية. إن سقوط الفاشر في يد قوات الدعم السريع لن يمثل فقط انتصاراً عسكرياً كبيراً لها، بل قد يمنحها السيطرة شبه الكاملة على الإقليم، ويُنذر بتفجر كارثة إنسانية واسعة النطاق وتصاعد العنف العرقي.
تصعيد عسكري غير مسبوق
منذ منتصف أبريل 2024، شهدت الفاشر تصعيداً عسكرياً خطيراً، حيث فرضت قوات الدعم السريع والميليشيات المتحالفة معها حصاراً خانقاً على المدينة، وشنت هجمات متكررة وواسعة النطاق. ويتصدى لهذه الهجمات الجيش السوداني مدعوماً من حركات مسلحة موقعة على اتفاق جوبا للسلام. وتشير التقارير الميدانية إلى استخدام مكثف للمدفعية الثقيلة والطائرات المسيرة والغارات الجوية في مناطق مكتظة بالسكان، مما أدى إلى سقوط مئات الضحايا المدنيين. وقد تفاقمت الأزمة الإنسانية مع تدمير بنى تحتية حيوية، أبرزها استهداف المستشفى الجنوبي، المرفق الطبي الرئيسي في المدينة، فضلاً عن إعاقة وصول المساعدات الإغاثية الضرورية لإنقاذ حياة السكان المحاصرين.
مساعي واشنطن لاحتواء الأزمة
في موازاة المعارك الميدانية، كثفت الولايات المتحدة جهودها الدبلوماسية لوقف نزيف الدم. وأدانت واشنطن مراراً التصعيد العسكري، وخاصة حصار الفاشر، ودعت طرفي النزاع إلى حماية المدنيين والعودة الفورية إلى طاولة المفاوضات. ويعمل المبعوث الأمريكي الخاص للسودان، توم بيرييلو، بنشاط مع الشركاء الإقليميين والدوليين لإحياء العملية السلمية، التي قد تستند إلى منبر جدة المتوقف. وتعتمد الاستراتيجية الأمريكية على مزيج من الضغط الدبلوماسي وفرض عقوبات على الأفراد والكيانات من كلا الجانبين المتهمين بتأجيج الصراع وارتكاب انتهاكات، وذلك بهدف إجبارهما على التوصل إلى حل سياسي.
ارتباط الميدان بالسياسة والتداعيات المستقبلية
ترتبط الأحداث الميدانية في الفاشر بشكل وثيق بالمناورات الدبلوماسية. يرى محللون أن قوات الدعم السريع تسعى لتحقيق نصر عسكري حاسم بالسيطرة على المدينة لتعزيز موقفها التفاوضي في أي محادثات سلام مستقبلية. في المقابل، يستميت الجيش وحلفاؤه في الدفاع عنها لمنع هذا السيناريو. هذه الديناميكية تخلق حلقة مفرغة، حيث يقوض السباق لتحقيق مكاسب عسكرية أي فرصة لتحقيق اختراق دبلوماسي، تاركاً ملايين المدنيين السودانيين عالقين في مرمى النيران. ويواجه المجتمع الدولي، بما في ذلك واشنطن، تحدياً هائلاً في إيجاد مسار قابل للتطبيق نحو السلام، في وقت يطغى فيه منطق الحرب على أفعال الأطراف المتحاربة.




