صندوق النقد الدولي يتوقع تراجع التضخم في مصر إلى 11.8%
في تطور اقتصادي بارز، أعلن صندوق النقد الدولي في أحدث تقاريره عن توقعاته بأن يشهد معدل التضخم في مصر تراجعاً ملحوظاً ليصل إلى 11.8%. يأتي هذا التوقع في ظل حزمة من الإصلاحات الاقتصادية الشاملة التي تنفذها الحكومة المصرية، بالتعاون مع البنك المركزي، بهدف استقرار الاقتصاد الكلي ومعالجة الضغوط التضخمية التي شهدتها البلاد خلال الفترة الماضية.

السياق الاقتصادي والخلفية
عانت مصر خلال العامين الماضيين من ضغوط اقتصادية كبيرة، تجلت في ارتفاع غير مسبوق في معدلات التضخم، الذي تجاوز 40% على أساس سنوي في أوقات سابقة. وقد نجم هذا الارتفاع عن عدة عوامل أبرزها تداعيات الأزمات العالمية، مثل اضطرابات سلاسل الإمداد العالمية وارتفاع أسعار السلع الأساسية، بالإضافة إلى تحديات داخلية شملت نقص العملة الأجنبية وتعدد تخفيضات قيمة الجنيه المصري. لمواجهة هذه التحديات، دخلت مصر في برنامج إصلاح اقتصادي موسع مع صندوق النقد الدولي، شهد مؤخراً توسيعاً لتمويله ليصل إلى 8 مليارات دولار، وهو ما ارتبط بالتزام الحكومة المصرية بتنفيذ إصلاحات هيكلية ومالية ونقدية جوهرية.
كانت السياسة النقدية المتشددة التي اتبعها البنك المركزي المصري محورية في هذه الجهود، حيث أقدم على رفع أسعار الفائدة بشكل متتالٍ وكبير للحد من الطلب الكلي وامتصاص السيولة الزائدة في الأسواق. كما ساهم قرار تحرير سعر الصرف في مارس 2024، والذي أدى إلى توحيد سعر الصرف وتوفير سيولة دولارية، في استعادة ثقة المستثمرين وتخفيف الضغط على العملة المحلية.
تفاصيل التوقعات الرئيسية
يشير صندوق النقد الدولي إلى أن التراجع المتوقع في معدل التضخم إلى 11.8% يمثل هدفاً طموحاً وقابلاً للتحقق بحلول نهاية السنة المالية 2024/2025 أو منتصف 2025 (وفقاً للتقارير الأخيرة). ويستند هذا التوقع إلى تحليل دقيق للمسار الحالي للإصلاحات والآثار المتوقعة للسياسات النقدية والمالية المطبقة. ويعكس الرقم انخفاضاً حاداً مقارنة بمستوياته التي لامست مستويات قياسية في العام الماضي، مما يبشر بتحسن تدريجي في القدرة الشرائية للمواطنين واستقرار الأسعار.
العوامل الدافعة وراء هذا التوقع
عدة عوامل رئيسية تسهم في دعم توقعات صندوق النقد الدولي بتراجع التضخم:
- السياسة النقدية الصارمة: أسعار الفائدة المرتفعة التي طبقها البنك المركزي المصري تهدف إلى كبح جماح التضخم عن طريق تقليل الطلب الكلي وامتصاص السيولة من السوق.
- استقرار سعر الصرف: بعد تحرير سعر الصرف وتدفقات العملة الأجنبية الأخيرة، يتوقع أن يشهد الجنيه المصري استقراراً نسبياً، مما يحد من ضغوط التضخم المستورد.
- تأثير سنة الأساس: سيساهم تأثير سنة الأساس في إظهار انخفاض كبير في معدلات التضخم السنوية، حيث تُقارن المعدلات الحالية بفترات سابقة شهدت ارتفاعات حادة.
- توقعات بتحسن الاقتصاد العالمي: من المتوقع أن تشهد أسعار السلع الأساسية العالمية مزيداً من الاستقرار أو الانخفاض، مما يخفف من فاتورة الواردات المصرية.
- الإصلاحات الهيكلية: التزام الحكومة المصرية بتعزيز الإنفاق الرشيد، وتضييق عجز الموازنة، وتحسين مناخ الأعمال، كلها عوامل تدعم استقرار الأسعار على المدى الطويل.
الأهمية والتداعيات
إن تراجع التضخم إلى المستويات المتوقعة من شأنه أن يحمل أهمية اقتصادية واجتماعية بالغة. فعلى الصعيد الاجتماعي، سيؤدي ذلك إلى تحسن ملموس في القوة الشرائية للمواطنين وتخفيف الأعباء المعيشية، خاصة على الطبقات محدودة الدخل. أما اقتصادياً، فإن استقرار الأسعار يعزز من بيئة الاستثمار، ويشجع الشركات على التوسع، ويقلل من حالة عدم اليقين، مما قد يدفع عجلة النمو الاقتصادي ويجذب المزيد من الاستثمارات الأجنبية المباشرة. كما يتيح تراجع التضخم مرونة أكبر للبنك المركزي المصري لإعادة النظر في سياسته النقدية مستقبلاً، بما قد يشمل تخفيضات في أسعار الفائدة لدعم النمو.
التحديات والمخاطر المستقبلية
على الرغم من التوقعات الإيجابية، لا تزال هناك تحديات ومخاطر قد تؤثر على مسار التضخم. تشمل هذه المخاطر استمرار التوترات الجيوسياسية الإقليمية والدولية التي قد تؤثر على أسعار السلع العالمية أو حركة التجارة، بالإضافة إلى الحاجة إلى مواصلة الإصلاحات الهيكلية بوتيرة ثابتة لضمان استدامة الاستقرار الاقتصادي. كما أن إدارة الدين العام واستمرارية تدفقات العملة الأجنبية ستظل عوامل حاسمة في الحفاظ على هذا المسار الإيجابي.
وبشكل عام، يعكس توقع صندوق النقد الدولي بصيص أمل في تعافي الاقتصاد المصري، ولكنه يتطلب التزاماً مستمراً وفعالاً من جميع الأطراف المعنية لترجمة هذه التوقعات إلى واقع ملموس يعود بالنفع على الاقتصاد والمواطنين.





