فضل شاكر يسلم نفسه بعد 12 عاماً من الغياب: الفن أم السجن هو مصيره؟
في مساء يوم الرابع من تشرين الأول/أكتوبر 2025، وبعد غياب دام أكثر من اثني عشر عاماً، سلّم الفنان اللبناني فضل شاكر نفسه طوعاً لدورية تابعة لمخابرات الجيش اللبناني. وقعت عملية التسليم عند أحد الحواجز العسكرية على مدخل مخيم عين الحلوة للاجئين الفلسطينيين في مدينة صيدا جنوبي لبنان. يمثل هذا التطور نقطة تحول حاسمة في قضية المغني الشهير، التي شغلت الرأي العام اللبناني والعربي طوال هذه المدة، ويطرح بقوة تساؤلات حول مستقبله: هل يعود إلى عالم الفن الذي لطالما تألق فيه، أم أن مصيره سيكون السجن ومواجهة العدالة؟

خلفية القضية
كان فضل شاكر، واسمه الحقيقي فضل عبد الرحمن شمندر، واحداً من أبرز نجوم الغناء العربي، واشتهر بصوته العذب وأغانيه الرومانسية التي حققت له شعبية جارفة في أواخر التسعينيات وبداية الألفية الثالثة. غير أن مسيرته الفنية والخاصة شهدت تحولاً جذرياً ومفاجئاً في عام 2013، عندما أعلن انضمامه العلني إلى الشيخ المتشدد أحمد الأسير، وتخلى عن الغناء، ليتبنى خطاباً دينياً متطرفاً.
كانت نقطة اللاعودة في مسيرة شاكر هي اشتباكات عبرا في صيدا، التي اندلعت في حزيران/يونيو 2013 بين مجموعة الأسير المسلحة والجيش اللبناني. اتُهم شاكر بالمشاركة المباشرة في هذه الاشتباكات، وتقديم الدعم المالي لمجموعة الأسير، بل وتوجيه إهانات علنية للجيش اللبناني والتهديد بقتل جنوده، وهي اتهامات نفاها لاحقاً في مقابلات متفرقة. أدت هذه الأحداث إلى مقتل عدد من الجنود اللبنانيين.
بعد الاشتباكات، اختفى شاكر عن الأنظار، ويُعتقد أنه لجأ إلى داخل مخيم عين الحلوة، الذي يتمتع بوضع خاص يجعله خارج سيطرة السلطات اللبنانية المباشرة. خلال فترة غيابه، أصدرت المحاكم العسكرية اللبنانية بحقه عدة أحكام غيابية. من أبرز هذه الأحكام، حكم بالسجن لمدة 15 عاماً في عام 2017 بتهمة التدخل في أعمال إرهابية، وآخر بالسجن لمدة 20 عاماً مع الأشغال الشاقة في عام 2018 لتورطه في أحداث عبرا وعدد من الجرائم الأمنية الأخرى، بما في ذلك قتل عسكريين.
التطورات الأخيرة
يأتي قرار فضل شاكر تسليم نفسه في 4 أكتوبر 2025 ليضع حداً لسنوات طويلة من التكهنات والبحث. ويشير التسليم الطوعي عند حاجز أمني تابع لمخابرات الجيش اللبناني، وهو إجراء يتم عادة بعد تنسيق مسبق، إلى أنه قد يكون هناك نوع من المفاوضات أو الاتصالات التي سبقت هذه الخطوة.
على مدار سنوات غيابه، ظهر شاكر في مناسبات متفرقة عبر تسجيلات فيديو ومقابلات، أعرب فيها عن ندمه على بعض تصرفاته السابقة، وحاول تبرير موقفه، مؤكداً رغبته في العودة إلى حياته الطبيعية وربما إلى الفن. وقد أثارت هذه التصريحات جدلاً واسعاً حول إمكانية عودته إلى الحياة العامة ومدى قدرة القانون على تطبيق العدالة عليه في ظل الأحكام الصادرة بحقه.
التداعيات والمستقبل
مع تسليم شاكر نفسه، تبدأ مرحلة جديدة في قضيته القانونية. فوفقاً للقانون اللبناني، عادة ما يؤدي تسليم المتهم لنفسه بعد صدور أحكام غيابية بحقه إلى إبطال هذه الأحكام تلقائياً، ليُعاد محاكمته وجاهياً أمام القضاء العسكري. وهذا يعني أن شاكر سيواجه محاكمة جديدة على التهم الموجهة إليه، مع إمكانية تقديم أدلة جديدة أو دفوعات لم تكن متاحة له أثناء المحاكمة الغيابية.
يبقى السؤال المحوري: هل سيكون مصير شاكر الفن أم السجن؟ إن أي حكم بالإدانة، حتى لو كان أخف من الأحكام السابقة، سيجعل عودته إلى الساحة الفنية أمراً بالغ الصعوبة، إن لم يكن مستحيلاً، نظراً لحساسية التهم المتعلقة بالاعتداء على الجيش اللبناني ورجال الأمن، وردود فعل الجمهور اللبناني. كما أن قضاء عقوبة السجن، مهما كانت مدتها، سيؤثر بلا شك على أي طموح فني مستقبلي.
تحمل هذه القضية أهمية كبيرة بالنسبة للنظام القضائي اللبناني، وتؤكد على مبدأ المساءلة القانونية، خاصة فيما يتعلق بالشخصيات العامة المتهمة بتقويض الأمن القومي أو الاعتداء على مؤسسات الدولة. إن الأيام والأسابيع القادمة ستكون حاسمة في تحديد المصير النهائي لفضل شاكر، لتغلق بذلك فصلاً طويلاً من الغياب وتفتح آخر من التدقيق القضائي والانتظار.





