في ذكرى محمد كمال المصري "شرفنطح": مسيرة فنية حافلة وزواج 8 مرات ومعاناة مع الربو
يصادف اليوم، السادس من نوفمبر، ذكرى رحيل واحد من أبرز رواد الكوميديا المصرية والعربية، الفنان محمد كمال المصري، الذي اشتهر بلقب شرفنطح. ففي مثل هذا اليوم من عام 1966، انطفأت شمعة حياة فنان ترك بصمة لا تُمحى في تاريخ السينما والمسرح، مقدمًا للجمهور شخصيات لا تزال محفورة في الذاكرة بفضل أسلوبه الكوميدي الفريد وصوته المميز. لم تقتصر حياة شرفنطح على الأضواء والشهرة، بل كانت حافلة بالتجارب الشخصية المعقدة، بما في ذلك زيجاته المتعددة ومعاناته الطويلة مع المرض.

نشأة وبداية مسيرة فنية استثنائية
ولد محمد كمال المصري في السادس من نوفمبر عام 1886 بحي درب الجماميز بالقاهرة. بدأ شغفه بالفن مبكرًا، حيث انضم إلى فرق تمثيلية عديدة في بداية القرن العشرين، لكن نقطة التحول في مسيرته كانت انضمامه إلى فرقة الفنان الكوميدي الكبير نجيب الريحاني. هناك، وجد شرفنطح البيئة الخصبة لصقل موهبته وتطوير شخصيته الكوميدية التي سرعان ما أسرت قلوب الجماهير. يُروى أن لقب "شرفنطح" جاءه من إحدى مسرحيات الريحاني، حيث كان يُجسد شخصية تحمل هذا الاسم، والتي التصقت به وأصبحت جزءًا لا يتجزأ من هويته الفنية، معبرة عن شخصيته الهزيلة والطويلة التي استخدمها ببراعة في أداء أدوار الفكاهة.
تميز شرفنطح بحضوره اللافت على خشبة المسرح وفي السينما على حد سواء. كان يمتلك قدرة فريدة على تحويل أبسط الكلمات والحركات إلى نبع للضحك، مستفيدًا من ملامحه الحادة وصوته الأجش ونبرته المميزة. لم يكن مجرد ممثل كوميدي، بل كان فنانًا قادرًا على تجسيد أدوار تتراوح بين الساذج والشرير والفقير، بأسلوب يجمع بين الفطرة والعفوية، ما جعله مطلوبًا في العديد من الأعمال السينمائية التي رسمت ملامح العصر الذهبي للسينما المصرية.
إسهامات خالدة في السينما والمسرح
على مدار مسيرة فنية تجاوزت الخمسين عامًا، شارك محمد كمال المصري في عشرات الأفلام والمسرحيات التي لا تزال تُعتبر أيقونات للكوميديا المصرية. من أبرز أفلامه التي رسخت مكانته كأحد عمالقة الفن نذكر:
- فيلم "سلامة في خير" (1937) مع نجيب الريحاني.
- فيلم "سي عمر" (1941) حيث قدم أداءً كوميديًا لا يُنسى.
- فيلم "بنات حواء" (1954) والذي أظهر جانبًا آخر من براعته.
- فيلم "الآنسة حنفي" (1954) مع إسماعيل ياسين، حيث كان الثنائي يقدمان مزيجًا فريدًا من الكوميديا.
- فيلم "إسماعيل ياسين في متحف الشمع" (1956).
- فيلم "سكر هانم" (1960)، الذي يعتبر من كلاسيكيات الكوميديا.
كان شرفنطح يمتلك موهبة فطرية في خلق الكيمياء مع نجوم عصره، سواء كانوا روادًا للكوميديا مثل الريحاني وإسماعيل ياسين أو غيرهم من كبار الفنانين. لم يكن يكتفي بأداء النص، بل كان يضيف لمسة شخصية تميز أدواره وتجعلها عالقة في أذهان المشاهدين، مما يؤكد على عمق موهبته وقدرته على الارتجال والابتكار ضمن حدود الدور.
حياة شخصية حافلة بالبحث عن الاستقرار وتحديات المرض
لم تكن حياة محمد كمال المصري الشخصية أقل إثارة للجدل أو تعقيدًا من حياته الفنية. فقد تزوج شرفنطح ثماني مرات، وهو رقم يُشير إلى بحثه المستمر عن الاستقرار العاطفي والسعادة الأسرية، أو ربما يعكس شخصية فنان مرهف المشاعر يبحث عن رفيقة درب تستوعب طبيعة عمله المتطلب. وبالرغم من أن تفاصيل هذه الزيجات بقيت طي الكتمان إلى حد كبير، إلا أنها تُبرز جانبًا إنسانيًا عميقًا في حياة الفنان بعيدًا عن الكاميرات والأضواء.
علاوة على التحديات الشخصية، عانى شرفنطح طويلًا من مرض الربو، وهو مرض لازمه لسنوات طويلة وأثر بشكل كبير على صحته وقدرته على مواصلة العمل الفني بنفس الزخم. تفاقمت حالته الصحية في سنواته الأخيرة، مما اضطره إلى الابتعاد تدريجيًا عن الشاشة والمسرح. كانت معاناته من هذا المرض سببًا رئيسيًا في تدهور صحته، حتى وافته المنية في نفس يوم ميلاده، في السادس من نوفمبر 1966، ليكمل بذلك دورة حياته في ثمانين عامًا قضاها بين الفن والمعاناة.
إرث لا يزول وذكرى خالدة
يظل محمد كمال المصري، شرفنطح، رمزًا للكوميديا المصرية الأصيلة، وفنانًا استطاع أن يخلق لنفسه مكانة فريدة في قلوب الملايين. لم تُنسَ أعماله أو شخصياته، بل تُعاد عرضها باستمرار لتُضحك أجيالًا جديدة وتُذكر الأجيال السابقة بالزمن الجميل للفن المصري. كان له أسلوبه الخاص في التعبير، والذي لم يقتصر على الكلمات، بل شمل تعابير الوجه ولغة الجسد التي كانت جزءًا لا يتجزأ من هويته الكوميدية. يُنظر إليه اليوم كأحد الأعمدة التي قامت عليها الكوميديا المصرية، وكمثال للفنان الذي وهب حياته لجمهوره، مقدمًا الضحك والبهجة رغم تحدياته الشخصية والمرضية. تظل ذكراه حية، ليس فقط في الأعمال التي تركها، بل في الابتسامة التي ما زال يزرعها في قلوب كل من يشاهده.





