في ذكرى ميلاده: صلاح السعدني "سليمان غانم" أيقونة الدراما المصرية
مع حلول العشرين من نوفمبر، تتجدد ذكرى ميلاد الفنان المصري الراحل صلاح السعدني، الذي يُعد أحد أبرز الوجوه التي شكلت وجدان الدراما المصرية والعربية. تأتي هذه الذكرى هذا العام محملة بمشاعر خاصة بعد رحيله في 19 أبريل 2024، لتسليط الضوء مجدداً على مسيرة فنية حافلة بالعطاء والإبداع، وإرث خالد تركه وراءه. كان السعدني، المعروف بلقب "عمدة الدراما المصرية"، قادراً على تجسيد أدق تفاصيل الشخصيات، مانحاً إياها حياة وروحاً لا تُنسى، ليبقى حاضراً في ذاكرة الجماهير عبر أدواره الخالدة.

مسيرة فنية حافلة وإرث خالد
وُلد صلاح السعدني في مثل هذا اليوم من عام 1943، وبدأ رحلته الفنية في ستينيات القرن الماضي بعد تخرجه من كلية الزراعة، ليُصبح سريعاً من أعمدة المسرح والسينما والتلفزيون. تميز بقدرته الفائقة على التنقل بين الأدوار المعقدة والبسيطة، وتجسيد شرائح مجتمعية متنوعة ببراعة، من الفلاح إلى رجل الأعمال، ومن المثقف إلى البسيط. لم يكن مجرد ممثل يقرأ نصاً، بل فنان يتفاعل مع كل كلمة، ويغوص في أعماق الشخصية ليخرجها إلى النور بكل صدق وإحساس، مما أكسبه احترام النقاد وحب الجمهور على حد سواء.
كانت نقطة التحول الكبرى في مسيرته هي تجسيده لشخصية "سليمان غانم" في ملحمة "ليالي الحلمية"، التي أصبحت واحدة من أيقونات الدراما المصرية. هذا الدور لم يكتفِ بترسيخ مكانته كنجم من الطراز الأول فحسب، بل صار اسمه مرتبطاً ارتباطاً وثيقاً بالشخصية، ليُلقب بـ"سليمان غانم" في الأوساط الفنية والشعبية. "ليالي الحلمية" لم تكن مجرد مسلسل، بل مرآة عاكسة لتاريخ مصر الاجتماعي والسياسي على مدار عقود، وقدّم السعدني فيها أداءً استثنائياً عكس التقلبات والصراعات الداخلية والخارجية للشخصية ببراعة نادرة.
- من أبرز أعماله التلفزيونية الأخرى:
- مسلسل "أرابيسك" الذي جسد فيه شخصية "حسن أرابيسك".
- مسلسل "العمدة رجب" الذي نال بسببه لقب "العمدة".
- مسلسل "حارة الميزان".
- مسلسل "الباطنية".
- مسلسل "الناس في كفر عسكر".
- مسلسل "حسين من مصر".
- كما قدم العديد من الأفلام السينمائية البارزة مثل "الأرض" و"الغول" و"المراكبي" و"ضربة معلم".
- وترك بصمة لا تُمحى على خشبة المسرح بأعمال مثل "باللو" و"زهرة الصبار".
"عمدة الدراما المصرية": عمق الأداء وتعدد الأدوار
لقب "عمدة الدراما المصرية" لم يأتِ من فراغ، بل كان نتاج عقود من العطاء الفني المتميز والقدرة على تقديم أدوار متنوعة بإتقان لافت. كان السعدني معروفاً بأسلوبه التلقائي والعفوي الذي يجعله قريباً من قلوب المشاهدين، وقادراً على إيصال أعمق المشاعر الإنسانية بصدق يُلامس الوجدان. لم يكن يخاف من تجسيد أدوار الشر أو الخير، الثراء أو الفقر، بل كان يرى في كل شخصية تحدياً فنياً جديداً يتطلب منه جهداً خاصاً للتعمق في أبعادها النفسية والاجتماعية.
اشتهر بتعاوناته الفنية المثمرة مع كبار الكتاب والمخرجين المصريين، مما ساهم في تقديم أعمال خالدة ما زالت تُعرض حتى اليوم وتُشكل جزءاً أساسياً من تراث الدراما العربية. كانت لديه كاريزما خاصة وقدرة على قيادة المشهد، حتى في الأدوار الثانوية، تاركاً أثراً لا يقل أهمية عن الأدوار الرئيسية.
رحيل مؤثر وتأثير مستمر
في 19 أبريل 2024، ودعت الساحة الفنية العربية قامة من قامات التمثيل برحيل صلاح السعدني، مخلفاً وراءه حزناً عميقاً في قلوب الملايين. جاءت وفاته لتُنهي فصلاً طويلاً من الإبداع، لكنها لم تُنهِ أبداً تأثيره أو حضوره الفني. ففي كل ذكرى ميلاد، وفي كل مرة تُعرض فيها أحد أعماله، يعود صلاح السعدني ليُذكرنا بقيمة الفن الهادف والتمثيل الأصيل.
يظل صلاح السعدني أيقونة الدراما المصرية، وفناناً يُحتفى بمسيرته في كل مناسبة، لأن عطاءه تجاوز حدود الشاشة ليصبح جزءاً لا يتجزأ من الثقافة الفنية للمنطقة. أعماله تُدرس، وشخصياته تُناقش، وروحه الفنية تُلهم الأجيال الجديدة من الممثلين، مؤكدة أن الفن الحقيقي لا يموت.




