قيود إسرائيلية على المساعدات الإنسانية تفاقم الأزمة في غزة
تواجه الأوضاع الإنسانية في قطاع غزة تدهورًا مستمرًا، حيث تحذر منظمات دولية من أزمة مجاعة وشيكة وانهيار كامل للمنظومة الصحية. وفي قلب هذه الأزمة، تبرز قضية القيود المفروضة على دخول المساعدات الإنسانية، والتي تقول الأمم المتحدة ومنظمات إغاثية إنها السبب الرئيسي في عدم وصول الإمدادات الكافية للسكان المحتاجين، على الرغم من الجهود الدولية المبذولة لتوفيرها.
خلفية الأزمة الإنسانية
منذ تصاعد النزاع في أكتوبر 2023، يعيش سكان قطاع غزة البالغ عددهم أكثر من مليوني نسمة في ظل ظروف قاسية. أدى الحصار والعمليات العسكرية إلى نزوح جماعي وتدمير واسع النطاق للبنية التحتية، بما في ذلك المستشفيات والمخابز ومحطات معالجة المياه. ونتيجة لذلك، أصبح الاعتماد على المساعدات الخارجية أمرًا حاسمًا لبقاء السكان على قيد الحياة، إلا أن إيصال هذه المساعدات يواجه تحديات لوجستية وأمنية معقدة.
طبيعة القيود وآليات الدخول
تتركز الشكاوى الرئيسية من قبل وكالات الإغاثة حول الآليات التي تتبعها السلطات الإسرائيلية لتفتيش وتصريح دخول المساعدات. وتتمثل العقبات الرئيسية في عدة نقاط:
- عمليات التفتيش المعقدة: تخضع جميع الشاحنات لعمليات فحص أمني دقيقة في معابر مثل كرم أبو سالم ونيتسانا، مما يؤدي إلى طوابير طويلة وتأخير كبير. وفي بعض الأحيان، يتم رفض شحنات بأكملها بسبب وجود مادة واحدة تعتبرها إسرائيل "مزدوجة الاستخدام".
- قائمة المواد الممنوعة: تمنع إسرائيل دخول قائمة واسعة من المواد التي تصنفها على أنها "مزدوجة الاستخدام"، أي يمكن استخدامها لأغراض مدنية وعسكرية. تشمل هذه القائمة مواد حيوية مثل مولدات الكهرباء للمستشفيات، وأجهزة تنقية المياه، وبعض المعدات الطبية كأجهزة التخدير وأسطوانات الأكسجين، ومواد بناء لإصلاح الملاجئ.
- عوائق لوجستية داخل غزة: حتى بعد عبور المساعدات، يواجه توزيعها صعوبات جمة بسبب الطرق المدمرة، والافتقار إلى الأمن، ونقص الوقود اللازم لتشغيل المركبات، مما يجعل الوصول إلى المناطق الشمالية من القطاع شبه مستحيل في كثير من الأحيان.
وأشار الدكتور أمجد الشوا، مدير شبكة المنظمات الأهلية الفلسطينية، في تصريحات متعددة خلال الأشهر الأخيرة، إلى أن هذه الإجراءات ليست مجرد تحديات لوجستية، بل هي سياسة ممنهجة تهدف إلى تقييد ما يدخل إلى القطاع، مما يفاقم من معاناة المدنيين.
التأثير على القطاعات الحيوية
إن النقص الحاد في الإمدادات الأساسية له عواقب وخيمة على مختلف جوانب الحياة في غزة. فعلى الصعيد الصحي، تعمل المستشفيات القليلة المتبقية بأقل من طاقتها، وتُجرى العمليات الجراحية بدون تخدير كافٍ، كما تنتشر الأمراض المعدية بسبب تلوث المياه ونقص مستلزمات النظافة. أما على الصعيد الغذائي، فقد حذرت وكالات أممية مثل برنامج الأغذية العالمي (WFP) من أن أجزاء من شمال غزة تواجه بالفعل ظروفًا شبيهة بالمجاعة، مع معاناة الأطفال وكبار السن من سوء تغذية حاد.
الموقف الإسرائيلي والجهود الدولية
من جانبها، تؤكد السلطات الإسرائيلية، ممثلة في وحدة تنسيق أعمال الحكومة في المناطق (COGAT)، أنها لا تفرض قيودًا على كمية المساعدات الإنسانية التي يمكن أن تدخل غزة. وتلقي باللوم في التأخير على عدم قدرة المنظمات الدولية على استلام وتوزيع المساعدات بكفاءة داخل القطاع. كما تبرر عمليات التفتيش الدقيقة بضرورة منع وصول الأسلحة والمواد التي قد تستخدمها حركة حماس لأغراض عسكرية.
وفي مواجهة هذه الأزمة، سعت جهات دولية إلى إيجاد طرق بديلة لإيصال المساعدات، مثل عمليات الإسقاط الجوي والممر البحري الذي تشرف عليه الولايات المتحدة. ومع ذلك، تؤكد الأمم المتحدة أن هذه الحلول لا يمكن أن تكون بديلاً عن الطرق البرية، التي تسمح بإدخال كميات أكبر من المساعدات بشكل أكثر فعالية واستدامة. كما أصدرت محكمة العدل الدولية أوامر تطالب إسرائيل بضمان وصول المساعدات دون عوائق، وهو ما زال محور جدل دولي واسع.



