مادورو يهاجم دور وكالة الاستخبارات الأمريكية في زعزعة استقرار أمريكا اللاتينية
جدد الرئيس الفنزويلي، نيكولاس مادورو، اتهاماته للولايات المتحدة بالتدخل في شؤون دول أمريكا اللاتينية، موجهاً انتقادات حادة لوكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية (CIA) ومحملاً إياها مسؤولية الوقوف خلف انقلابات وعمليات زعزعة استقرار في المنطقة على مدى عقود. وتأتي هذه التصريحات في سياق التوتر المستمر بين كاراكاس وواشنطن، حيث تستخدم الحكومة الفنزويلية هذه الخطابات لتأكيد روايتها المناهضة للإمبريالية وحشد الدعم الداخلي.

خلفية تاريخية للتدخلات الأمريكية
تستند اتهامات الرئيس مادورو إلى تاريخ طويل وموثق من التدخلات التي قامت بها وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية في أمريكا اللاتينية، خاصة خلال فترة الحرب الباردة. وتعتبر هذه الأحداث جزءاً من الذاكرة السياسية الجماعية في المنطقة، مما يمنح تصريحاته صدى واسعاً. من أبرز هذه التدخلات:
- غواتيمالا (1954): نظمت وكالة المخابرات المركزية انقلاباً أطاح بالرئيس المنتخب ديمقراطياً جاكوبو أربينز، بسبب سياساته الإصلاحية الزراعية التي أضرت بمصالح شركات أمريكية.
- كوبا (1961): فشلت محاولة غزو خليج الخنازير، التي نظمتها ودعمتها الوكالة بهدف الإطاحة بحكومة فيدل كاسترو، لكنها رسخت العداء بين البلدين.
- تشيلي (1973): دعمت الولايات المتحدة الانقلاب العسكري الذي قاده الجنرال أوغوستو بينوشيه ضد الرئيس الاشتراكي المنتخب سلفادور الليندي، مما أدى إلى فترة طويلة من الديكتاتورية العسكرية.
- نيكاراغوا (الثمانينيات): مولت وسلحت الـ(CIA) متمردي "الكونترا" الذين قاتلوا للإطاحة بحكومة الساندينيستا اليسارية.
هذه الأحداث التاريخية وغيرها تشكل الأساس الذي تبني عليه حكومة فنزويلا خطابها حول التدخل الأجنبي، وتستخدمها لتصوير أي معارضة داخلية أو ضغوط دولية على أنها جزء من مؤامرة أمريكية مستمرة.
السياق الحالي للاتهامات
في السنوات الأخيرة، كثف نيكولاس مادورو من اتهاماته للولايات المتحدة بالتخطيط للإطاحة بحكومته. ويربط بشكل متكرر بين العقوبات الاقتصادية الأمريكية المفروضة على فنزويلا، والدعم الأمريكي للمعارضة السياسية، ومحاولات مزعومة لتنفيذ انقلابات أو اغتيالات. على سبيل المثال، اتهمت حكومته واشنطن بالوقوف خلف محاولة اغتيال مزعومة بطائرة بدون طيار استهدفته في عام 2018، وكذلك بدعم محاولة تمرد عسكري فاشلة في عام 2019.
يتم توظيف هذه الاتهامات داخلياً لتبرير الأزمة الاقتصادية الخانقة التي تعاني منها البلاد، حيث تُلقي الحكومة باللوم على "الحرب الاقتصادية" التي تشنها الولايات المتحدة بدلاً من الاعتراف بسوء الإدارة والفساد. كما تستخدم هذه الرواية لتصوير المعارضين السياسيين على أنهم "عملاء" لقوى أجنبية، مما يبرر قمعهم وتقييد الحريات السياسية في البلاد.
الأهمية والتداعيات
تعكس تصريحات مادورو استمرار المواجهة الأيديولوجية بين حكومته اليسارية والولايات المتحدة، وهي مواجهة ورثها عن سلفه هوغو تشافيز. وعلى الرغم من أن المسؤولين الأمريكيين ينفون وجود أي خطط حالية لتنفيذ انقلابات عسكرية، إلا أنهم يعلنون صراحة دعمهم للقوى الديمقراطية في فنزويلا ويسعون إلى تغيير النظام عبر الضغط الدبلوماسي والاقتصادي.
هذا الخطاب المتكرر حول تدخلات الـ(CIA) لا يخدم فقط الأجندة السياسية الداخلية لمادورو، بل يؤثر أيضاً على العلاقات الدبلوماسية في القارة الأمريكية. فبينما تدعمه دول مثل كوبا ونيكاراغوا، تنتقده دول أخرى وتعتبره وسيلة للتهرب من المسؤولية عن الأزمات الإنسانية والسياسية التي تواجهها فنزويلا. وفي المحصلة، تظل هذه الاتهامات فصلاً جديداً في تاريخ طويل ومعقد من العلاقات المتوترة بين الولايات المتحدة وأجزاء من أمريكا اللاتينية.





