محمد المنصوري الإدريسي: الفن يتصدى لسيولة الزمن
تختتم اليوم، الثلاثاء، فعاليات معرض "الزمن المنفلت" للفنان التشكيلي المغربي البارز محمد المنصوري الإدريسي، في قاعة باب الرواح بالعاصمة الرباط. المعرض، الذي شهد إقبالاً واسعاً على مدار أسابيعه الماضية، يقدم تجربة فنية عميقة تتمحور حول استخدام اللون كوسيلة أساسية للتعبير عن الانفعالات الداخلية والبحث الروحي، في مواجهة مفهوم الزمن المتغير والمتقلب الذي لا يتوقف.
محورية اللون والبعد الروحي
يعتبر اللون في تجربة محمد المنصوري الإدريسي أكثر من مجرد أداة جمالية؛ فهو بمثابة لغة بصرية تترجم ما يصعب التعبير عنه بالكلمات. يرى الفنان أن الألوان هي انعكاس مباشر للروح الإنسانية وتفاعلاتها مع العالم المحيط. من خلال لوحاته التي تمزج بين التجريد والرمزية، يستكشف المنصوري الإدريسي أبعاداً وجودية، مسلطاً الضوء على العلاقة بين الذات والكون، والبحث المستمر عن المعنى في خضم التغيرات الحياتية المتسارعة.
تُظهر أعمال المعرض كيف يستثمر الفنان الدرجات اللونية المختلفة لخلق حوار بصري مؤثر، حيث تنتقل الألوان من الدافئة إلى الباردة، ومن الصارخة إلى الهادئة، لتصوير حالة من التوتر والتأمل، عاكسة بذلك مفهوم "الزمن المنفلت" الذي لا يمكن إمساكه أو التحكم فيه. هذه الفلسفة الفنية تجعل من كل لوحة نافذة على عالم داخلي غني بالمشاعر والتساؤلات الوجودية، وتدعونا إلى استكشاف تجليات الذات في فضاء لا تحكمه قيود الزمن المادي.
"الزمن المنفلت": تأمل في الوجود
اسم المعرض، "الزمن المنفلت"، ليس مجرد عنوان بل هو جوهر الرسالة الفنية التي يسعى المنصوري الإدريسي إلى إيصالها. إنه دعوة للتأمل في سرعة مرور الزمن، وتأثيره على الذاكرة والهوية والتجربة البشرية. يستكشف الفنان كيف يمكن للفن، وبالتحديد اللوحة التشكيلية، أن يكون نقطة ارتكاز وثبات في عالم دائم التغير، محاولاً تجميد لحظات من الوجود أو إعادة تفسيرها عبر فرشاته لتقديم رؤية خالدة تتجاوز اللحظة الراهنة.
تعكس الأعمال المعروضة حساً عميقاً بالفلسفة، حيث يطرح المنصوري الإدريسي أسئلة حول طبيعة الزمن: هل هو خطي؟ هل يمكن الإحساس به؟ وكيف يتفاعل الإنسان مع تسارع وتيرته؟ من خلال طبقات الألوان وخطوطها المتداخلة، يبدو وكأن الفنان يصارع هذا الزمن، محاولاً أن يمنح المشاهد فرصة للتوقف والتأمل في تدفق الحياة والتغيرات المستمرة التي تطرأ عليها، مؤكداً قدرة الفن على خلق ملاذ روحي بعيداً عن صخب العالم الخارجي.
سياق المعرض وأهميته
يأتي معرض "الزمن المنفلت" ليعزز مكانة محمد المنصوري الإدريسي كأحد الأصوات المهمة في المشهد التشكيلي المغربي المعاصر، ويسلط الضوء على عمق رؤيته الفنية والفلسفية. وقد أقيم في قاعة باب الرواح بالرباط، وهي إحدى أهم المنارات الثقافية في البلاد، مما يضفي على الحدث بعداً رسمياً وجماهيرياً. ويُعتبر المعرض مساهمة قيمة في الحوار الفني الجاري حول العلاقة بين الفن والوجود الإنساني، وكيف يمكن للرؤية الفنية أن تقدم تفسيرات جديدة للمفاهيم الأساسية مثل الزمن والذاكرة، والتحديات الوجودية للإنسان.
لقد حظي المعرض بتغطية إعلامية واسعة واستقبال نقدي إيجابي، حيث أثنى النقاد على عمق الأفكار التي يطرحها الفنان، ومهارته في توظيف اللون لخدمة هذه الأفكار المعقدة. كما نوه الزوار بالفرصة التي أتيحت لهم للتأمل والتفاعل مع الأعمال، التي تدعو إلى رؤية أعمق لما وراء السطح الظاهري للأشياء. إن اختتام هذا المعرض اليوم يمثل نهاية فصل مهم في المسيرة الفنية للمنصوري الإدريسي، لكنه يفتح آفاقاً جديدة للتفكير في كيفية مواجهة الفن لسيولة الزمن والتغير المستمر، مؤكداً رسالة الفن الخالدة كشاهد على التجربة الإنسانية.





