مصر ترسخ مكانتها الإقليمية في تكنولوجيا الفضاء عبر توطين صناعة الأقمار الصناعية
تُعزز جمهورية مصر العربية جهودها الرامية لتوطين تكنولوجيا الفضاء، مؤكدة التزامها بتحقيق الاكتفاء الذاتي في هذا القطاع الحيوي وتدعيم مكانتها كمركز إقليمي رائد. وقد تجلت هذه المساعي في لقاء عُقد مؤخراً، جمع الدكتور مصطفى مدبولي، رئيس مجلس الوزراء المصري، مع الدكتور المهندس ماجد إسماعيل، الرئيس التنفيذي لوكالة الفضاء المصرية. خلال هذا الاجتماع، استعرض ماجد إسماعيل الخطوات الجارية والمستقبلية التي تهدف إلى ترسيخ القاعدة التكنولوجية الفضائية في البلاد، مع التركيز على تصنيع الأقمار الصناعية الصغيرة وتطوير أنظمة الاتصالات.

الرؤية الاستراتيجية لتوطين تكنولوجيا الفضاء
تتمحور الاستراتيجية المصرية في قطاع الفضاء حول عدة محاور أساسية تهدف إلى بناء قدرات وطنية متكاملة. أوضح الرئيس التنفيذي لوكالة الفضاء المصرية أن الوكالة تعمل بشكل حثيث على استكمال توطين التكنولوجيا الفضائية. لا يقتصر هذا التوطين على مجرد امتلاك المعرفة، بل يمتد ليشمل بناء القدرة على التصنيع والابتكار محلياً. وتتضمن الأهداف الرئيسية في هذا السياق:
- تصنيع فئات جديدة من الأقمار الصناعية الصغيرة: تسعى مصر إلى الانتقال من مرحلة الاعتماد على الخارج في الحصول على الأقمار الصناعية إلى مرحلة تصنيعها بأيدٍ وخبرات مصرية، ما يقلل التكلفة ويزيد المرونة في تلبية الاحتياجات الوطنية والإقليمية.
- تطوير أنظمة الاتصالات الفضائية محلياً ودولياً: يشمل ذلك تطوير البنى التحتية والبرمجيات اللازمة للتحكم في الأقمار الصناعية ومعالجة بياناتها، إضافة إلى تصميم أنظمة اتصالات فضائية متطورة يمكن استخدامها على الصعيدين المحلي والدولي.
- تحويل مدينة الفضاء المصرية إلى مركز إقليمي: تهدف الرؤية إلى أن تصبح مدينة الفضاء المصرية، بما تحويه من منشآت ومراكز، محركاً إقليمياً للتصنيع والخدمات الفضائية، بحيث تخدم أسواق الدول العربية والأفريقية الشقيقة، مما يعزز دور مصر القيادي في هذا المجال الحيوي.
هذه الرؤية لا تهدف فقط إلى تحقيق الاكتفاء الذاتي، بل تسعى أيضاً إلى ترسيخ مكانة مصر كمركز إقليمي للتميز الفضائي، مستفيدة من موقعها الجغرافي وخبراتها المتنامية.
أهمية الأقمار الصناعية الصغيرة ودورها الاستراتيجي
تمثل الأقمار الصناعية الصغيرة (Cubesats و SmallSats) محركاً رئيسياً للثورة الفضائية الحديثة. تتميز هذه الأقمار بتكاليف تطوير وإطلاق أقل بكثير مقارنة بالأقمار الصناعية التقليدية، مما يجعلها في متناول عدد أكبر من الدول والمؤسسات. بالنسبة لمصر، فإن التركيز على تصنيع هذه الفئة من الأقمار يفتح آفاقاً واسعة في مجالات متعددة، منها:
- مراقبة الأرض والاستشعار عن بعد: لخدمة قطاعات حيوية مثل الزراعة، إدارة الموارد المائية، رصد التغيرات المناخية، والتخطيط العمراني.
- الاتصالات والإنترنت: توفير خدمات الاتصالات في المناطق النائية ودعم البنية التحتية الرقمية.
- البحث العلمي: إجراء التجارب الفضائية وتطوير التقنيات الجديدة.
- الأمن القومي: تعزيز قدرات المراقبة والاستطلاع المستقلة.
من خلال توطين صناعة هذه الأقمار، تستطيع مصر تصميم مهام فضائية تتلاءم تماماً مع احتياجاتها الخاصة، دون قيود تفرضها التكنولوجيا الأجنبية، وبالتالي تحقيق استقلالية أكبر في اتخاذ القرار الوطني المتعلق بمهامها الفضائية.
إنجازات البنية التحتية الفضائية ودعم القدرات الوطنية
لم تأتِ جهود توطين تكنولوجيا الفضاء من فراغ، بل هي نتاج سنوات من العمل الدؤوب في بناء منظومة فضائية متكاملة. أوضح الرئيس التنفيذي لوكالة الفضاء المصرية أن الوكالة نجحت خلال السنوات الماضية في إنشاء بنية تحتية فضائية تعد الأولى من نوعها في المنطقة، تشمل مكونات حيوية مثل:
- مقر وكالة الفضاء المصرية: المركز الإداري والفني الذي يدير الأنشطة والبرامج الفضائية للبلاد.
- مقر وكالة الفضاء الأفريقية: استضافة مصر لمقر هذه الوكالة يعكس دورها القيادي في القارة السمراء وقدرتها على دعم التعاون الفضائي الإقليمي.
- مركز التجميع والتكامل والاختبار (AIT): يُعد هذا المركز حجر الزاوية في توطين الصناعة، حيث يمكن فيه تجميع واختبار الأقمار الصناعية ومكوناتها قبل الإطلاق، لضمان جودتها وكفاءتها.
- مركز التشغيل الفضائي: المسؤول عن تتبع الأقمار الصناعية، استقبال البيانات منها، وإدارة عملياتها بعد الإطلاق.
- الأكاديمية الفضائية: مؤسسة تعليمية وتدريبية متخصصة في تأهيل الكوادر البشرية في مختلف تخصصات الفضاء.
- المنطقة التكنولوجية الفضائية: حاضنة للشركات والمشاريع الناشئة في مجال تكنولوجيا الفضاء، لدعم الابتكار وتطوير الصناعة.
تؤكد هذه المنظومة المتكاملة التزام مصر ببناء قدراتها الذاتية في الفضاء، ما يدعم استقلال قرارها الوطني في تصميم وتنفيذ وتشغيل المهام الفضائية من داخل الأراضي المصرية، بعيداً عن أي تبعية خارجية.
تأهيل الكوادر البشرية والآفاق المستقبلية
أكد ماجد إسماعيل على الأهمية القصوى لبناء جيل جديد من المهندسين والعلماء المصريين القادرين على تصميم وإنتاج وتشغيل الأقمار الصناعية بكفاءة عالية. تولي وكالة الفضاء المصرية اهتماماً خاصاً لبرامج التعليم والتدريب المتخصصة لضمان استمرارية الابتكار والتطوير. كما تم استعراض المهام الفضائية التي تم تنفيذها وإطلاقها بنجاح، بالإضافة إلى الخطط المستقبلية التي تمثل محطات فارقة في مسيرة توطين تكنولوجيا الفضاء المصرية. هذه المهام الطموحة تعكس التزام مصر بالاستثمار في مستقبلها الفضائي، مما يعزز ليس فقط قدراتها التكنولوجية ولكن أيضاً مكانتها الاستراتيجية والاقتصادية على الساحتين الإقليمية والدولية.





