مصر تستعد لإطلاق أول قطار بدون سائق: مونوريل العاصمة الإدارية يبدأ الخدمة الرسمية
أعلنت مصادر حكومية مصرية أن البلاد تستعد خلال الأيام القليلة القادمة لتدشين مرحلة جديدة في قطاع النقل العام، مع بدء التشغيل الرسمي لمونوريل العاصمة الإدارية الجديدة. يمثل هذا المشروع قفزة نوعية كونه أول قطار يعمل بتقنية القيادة الذاتية بالكامل "بدون سائق" في مصر، وهو ما يضع البلاد في مصاف الدول المتقدمة في مجال حلول النقل الذكي والمستدام. يأتي هذا الإطلاق بعد فترة من الاختبارات التشغيلية المكثفة التي استمرت عدة أشهر لضمان أعلى معايير الأمان والكفاءة.

خلفية المشروع وأهميته الاستراتيجية
يُعد مشروع مونوريل العاصمة الإدارية، المعروف بخط شرق النيل، جزءاً لا يتجزأ من خطة الدولة المصرية الشاملة لتطوير البنية التحتية وتحديث شبكة النقل والمواصلات، تماشياً مع رؤية مصر 2030. يهدف المشروع بشكل أساسي إلى ربط العاصمة الإدارية الجديدة، التي تمثل المستقبل الإداري والاقتصادي للبلاد، بمدن شرق القاهرة الكبرى، وتسهيل حركة انتقال الموظفين الحكوميين والمواطنين من وإلى العاصمة الجديدة.
تتجاوز أهمية المونوريل مجرد كونه وسيلة نقل؛ فهو مصمم ليكون شرياناً حيوياً يساهم في تخفيف الازدحام المروري الخانق في شوارع القاهرة، وتقليل الاعتماد على المركبات الخاصة، مما ينعكس إيجابياً على البيئة عبر خفض الانبعاثات الكربونية. كما أنه يوفر وسيلة نقل حضارية، سريعة، وآمنة، ترفع من جودة الحياة للمواطنين وتدعم خطط التنمية العمرانية في المناطق الجديدة التي يمر بها.
تفاصيل فنية وتقنية للمشروع
يمتد خط مونوريل شرق النيل بطول يناهز 56.5 كيلومترًا، ويشتمل على 22 محطة، تبدأ من محطة الاستاد في مدينة نصر، مروراً بمحاور رئيسية مثل شارع المشير طنطاوي والتجمع الخامس، وصولاً إلى قلب العاصمة الإدارية الجديدة. وقد تم تصميم القطارات للعمل بسرعة تصل إلى 80 كيلومترًا في الساعة، مما سيقلص زمن الرحلة بين نقطتي البداية والنهاية بشكل كبير.
السمة الأبرز للمشروع هي اعتماده على نظام تشغيل آلي بالكامل من المستوى الرابع (GoA4)، وهو ما يعني أن القطارات تعمل بدون سائق وتتم إدارتها والتحكم بها من خلال مركز سيطرة مركزي متطور. هذه التقنية تضمن دقة عالية في مواعيد التقاطر وفترات زمنية قصيرة بين الرحلات، بالإضافة إلى تعزيز مستويات السلامة. يتولى تنفيذ هذا المشروع تحالف من كبرى الشركات العالمية والمحلية، يضم شركة ألستوم الفرنسية المسؤولة عن الأنظمة والقطارات، إلى جانب شركتي أوراسكوم للإنشاءات والمقاولون العرب المصريتين.
التشغيل التجريبي والمراحل القادمة
قبل اتخاذ قرار التشغيل الرسمي، خضع المشروع لفترة تشغيل تجريبي دقيقة امتدت لعدة أشهر. خلال هذه الفترة، تم اختبار جميع الأنظمة الإلكترونية والميكانيكية للقطارات والمسارات والمحطات للتأكد من تكاملها وعملها بكفاءة تامة. شملت الاختبارات تسيير القطارات بدون ركاب على امتداد أجزاء مختلفة من المسار لضمان موثوقية النظام.
ووفقاً للخطط المعلنة، سيبدأ التشغيل الرسمي للجمهور بشكل مرحلي. من المتوقع أن تبدأ المرحلة الأولى في تغطية المسافة من العاصمة الإدارية الجديدة حتى محطة المشير طنطاوي، على أن يتم افتتاح باقي الخط وصولاً إلى محطة الاستاد في مرحلة لاحقة. يتيح هذا النهج التدريجي التأكد من سلاسة العمليات قبل تشغيل الشبكة بكامل طاقتها الاستيعابية.
التأثير المتوقع على النقل والمجتمع
من المنتظر أن يُحدث مونوريل العاصمة الإدارية تغييراً جذرياً في منظومة النقل الجماعي في مصر. فمن خلال قدرته على نقل عشرات الآلاف من الركاب في الساعة في كل اتجاه، سيقدم المشروع حلاً فعالاً لمشكلة التنقل اليومي لملايين المواطنين. كما سيعزز من قيمة المناطق العمرانية الجديدة التي يمر بها ويشجع على الانتقال إليها، ويدعم خطط الحكومة لنقل الوزارات والهيئات الحكومية إلى العاصمة الجديدة.
على الصعيد البيئي، يمثل المونوريل خطوة مهمة نحو النقل الأخضر، حيث إنه يعمل بالطاقة الكهربائية النظيفة، مما يساهم في تحقيق أهداف التنمية المستدامة وتقليل التلوث. وبذلك، لا يقتصر أثر المشروع على الجانب الخدمي فقط، بل يمتد ليشمل أبعاداً اقتصادية واجتماعية وبيئية، ليصبح أحد أهم المشاريع القومية في مصر الحديثة.





