مصر تستقطب 55 شركة عالمية لتوفير أكثر من 70 ألف فرصة عمل بقطاع تكنولوجيا المعلومات
في خطوة تعكس تنامي ثقة المستثمرين الدوليين في السوق المصري، أعلنت جمهورية مصر العربية، في الآونة الأخيرة، عن جذب استثمارات ضخمة من 55 شركة عالمية رائدة في قطاع تكنولوجيا المعلومات والاتصالات. من المتوقع أن تُسفر هذه الاستثمارات عن توفير أكثر من 70 ألف فرصة عمل جديدة ومتميزة للمواطنين المصريين، في قطاعات حيوية مثل خدمات التعهيد، تطوير البرمجيات، ومراكز الاتصال العالمية. يؤكد هذا التطور البارز التزام البلاد الراسخ بتعزيز مكانتها كمركز إقليمي ودولي محوري للابتكار الرقمي وتقديم الخدمات التكنولوجية المتطورة.

خلفية واستراتيجية مصر الرقمية الطموحة
يأتي هذا الإنجاز ضمن إطار "استراتيجية مصر الرقمية" الشاملة، التي تمثل ركيزة أساسية لرؤية الدولة التنموية الهادفة إلى تحويل الاقتصاد المصري من اقتصاد تقليدي إلى اقتصاد قائم على المعرفة والابتكار التكنولوجي. على مدار السنوات الماضية، قامت الحكومة المصرية، ممثلة في وزارة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات (MCIT)، بجهود مكثفة لخلق بيئة تشريعية وتنظيمية جاذبة للاستثمارات الأجنبية المباشرة في هذا القطاع الحيوي. ترتكز هذه الاستراتيجية على عدة محاور رئيسية ومتكاملة تضمن تنافسية مصر وجاذبيتها:
- تطوير البنية التحتية الرقمية المتقدمة: تم استثمار مليارات الجنيهات في تحديث وتوسيع شبكات الألياف الضوئية على مستوى الجمهورية، وإنشاء مراكز بيانات حديثة ومؤمنة، إلى جانب تحسين جودة وسرعة خدمات الإنترنت بشكل ملحوظ لضمان قدرة البلاد على استضافة وتشغيل الأعمال الرقمية العالمية بكفاءة عالية.
- تنمية رأس المال البشري والمهارات الرقمية: إطلاق مبادرات وبرامج تدريبية طموحة ومجانية، أبرزها مبادرة "بناة مصر الرقمية" (Digital Egypt Builders Initiative - DEBI) والتي تستهدف تأهيل الآلاف من الشباب المصري في أحدث التخصصات التكنولوجية العالمية، مثل الذكاء الاصطناعي، علم البيانات، الأمن السيبراني، تحليل البيانات الكبيرة، وتطوير التطبيقات، لتلبية متطلبات سوق العمل العالمي المتغيرة.
- توفير الحوافز التشجيعية والبيئة التنظيمية المواتية: تقديم حزمة من الحوافز الاستثمارية والإعفاءات الضريبية للشركات الأجنبية العاملة في قطاع تكنولوجيا المعلومات وخدمات التعهيد، إلى جانب تبسيط الإجراءات الإدارية والقانونية وتوفير الدعم اللازم من خلال هيئة تنمية صناعة تكنولوجيا المعلومات (ITIDA).
- الاستفادة من الموقع الجغرافي المتميز: استغلال موقع مصر الاستراتيجي الفريد الذي يربط بين قارات أوروبا وآسيا وأفريقيا، مما يجعلها نقطة مثالية لتقديم الخدمات الرقمية واللوجستية لمختلف الأسواق الإقليمية والدولية.
تطورات حديثة ودور وزارة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات
أكد الدكتور عمرو طلعت، وزير الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، في تصريحات متعددة له، على أن قطاع تكنولوجيا المعلومات والاتصالات المصري يشهد نموًا مطردًا يفوق معدلات النمو الاقتصادي العام للبلاد بكثير، مما يعكس الأهمية المتزايدة للقطاع ودوره كمحرك رئيسي للنمو. وقد أشار الوزير إلى أن هذا النمو المستدام، والذي أظهرته أيضًا زيادة في حجم الصادرات الرقمية المصرية، يعكس الثقة المتنامية من قبل الشركات العالمية في القدرات التنافسية لمصر، سواء من حيث الكفاءات البشرية المدربة أو البنية التحتية المتطورة والموثوقة. كما أوضح أن الجهود المكثفة المبذولة في مجال تدريب الشباب المصري قد أثمرت عن تخريج دفعات كبيرة من المتخصصين المؤهلين والقادرين على تلبية المتطلبات الدقيقة للشركات الدولية الكبرى.
شهدت الفترة الأخيرة توقيع العديد من الاتفاقيات الاستراتيجية ومذكرات التفاهم مع كبرى الشركات التكنولوجية العالمية، والتي بموجبها يتم تأسيس وتوسيع مراكز للتميز، مراكز لتقديم خدمات التعهيد، مراكز للبحث والتطوير، ومراكز لتطوير البرمجيات في مدن ومناطق تكنولوجية مختلفة عبر الجمهورية. هذه الشراكات لا تقتصر فقط على خلق فرص عمل مباشرة، بل تساهم أيضًا في نقل الخبرات والتكنولوجيا الحديثة والمتطورة إلى السوق المصري، مما يعزز من قدرته التنافسية ويسرع من عجلة الابتكار على المدى الطويل.
الأهمية والأثر الاقتصادي والاجتماعي العميق
إن استقطاب 55 شركة عالمية جديدة بهذا الحجم وتوفير أكثر من 70 ألف فرصة عمل جديدة له أبعاد اقتصادية واجتماعية عميقة ومتعددة. على الصعيد الاقتصادي، يعزز هذا التدفق الكبير للاستثمار الأجنبي المباشر من احتياطيات النقد الأجنبي للدولة ويدعم بقوة الصادرات المصرية من الخدمات الرقمية، والتي باتت تساهم بشكل متزايد وفعال في الناتج المحلي الإجمالي. كما يسهم هذا التوجه الإيجابي في تحقيق جملة من الأهداف التنموية الهامة منها:
- خلق وظائف نوعية ومستقبلية: توفير فرص عمل مستدامة وذات قيمة مضافة عالية للشباب المصري، مما يحد من معدلات البطالة ويحسن بشكل ملموس مستويات المعيشة ويفتح آفاقًا جديدة للمسارات المهنية.
- تنمية القدرات المحلية وبناء الكفاءات: يساهم في بناء جيل جديد من الكفاءات المصرية المدربة على أحدث التقنيات العالمية والأساليب المبتكرة، مما يعزز من قاعدة المعرفة والمهارات في البلاد.
- تعزيز مكانة مصر الدولية كوجهة تكنولوجية: ترسيخ موقع مصر كوجهة مفضلة وموثوقة لشركات تكنولوجيا المعلومات العالمية وكشريك استراتيجي في سلسلة القيمة الرقمية العالمية.
- تحفيز الابتكار وريادة الأعمال المحلية: من خلال التفاعل المباشر مع الشركات العالمية الرائدة، يتم تحفيز البيئة المحلية للابتكار وريادة الأعمال في مجال التكنولوجيا، مما يشجع على ظهور شركات ناشئة وحلول مصرية مبتكرة.
- دعم التحول الرقمي الشامل: توفر هذه الاستثمارات الكبيرة الدعم اللازم لجهود الدولة في التحول الرقمي الشامل لمختلف القطاعات، بما في ذلك الخدمات الحكومية، التجارة الإلكترونية، والتعليم الرقمي.
بشكل عام، تعكس هذه الأرقام والإنجازات التزام مصر الثابت بمواصلة مسيرتها الطموحة نحو التحول الرقمي الشامل، وتؤكد على نجاح جهودها المتواصلة في جذب الاستثمارات التي لا تساهم في النمو الاقتصادي المباشر فحسب، بل في بناء مستقبل مزدهر ومستدام قائم على التكنولوجيا والمعرفة والابتكار.





