مصر تطلق تجربة رائدة لزراعة نخيل الزيت بهدف دراسة جدواه الاقتصادية في ظل التغيرات المناخية
أعلن المعمل المركزي لأبحاث وتطوير نخيل البلح، التابع لمركز البحوث الزراعية في مصر، عن إطلاق مشروع بحثي جديد يهدف إلى اختبار زراعة نخيل الزيت لأول مرة بشكل علمي منظم. تأتي هذه المبادرة في إطار جهود الدولة المصرية لاستكشاف محاصيل زراعية جديدة غير تقليدية يمكنها التكيف مع الظروف البيئية المتغيرة، وتعزيز الأمن الغذائي وتقليل فاتورة الاستيراد.

خلفية وأهمية التجربة
تُعد مصر واحدة من أكبر مستوردي الزيوت النباتية في العالم، وعلى رأسها زيت النخيل الذي يدخل في صناعة مجموعة واسعة من المنتجات الغذائية والصناعية. يمثل هذا الاعتماد على الاستيراد ضغطاً كبيراً على ميزان المدفوعات والاقتصاد الوطني. من هنا، تنبع أهمية البحث عن بدائل محلية قادرة على تلبية جزء من الطلب المتزايد، حيث يمكن لنجاح زراعة نخيل الزيت أن يمثل نقلة نوعية في قطاع الزراعة والصناعات الغذائية في البلاد.
أوضح الدكتور عز الدين العباسي، مدير المعمل، أن هذه التجربة تهدف في المقام الأول إلى دراسة سلوك هذا النبات الاستوائي في البيئة المصرية، التي تختلف جذرياً عن مواطنه الأصلية في غرب أفريقيا وجنوب شرق آسيا، والتي تتميز بالرطوبة العالية والأمطار الغزيرة. وستركز الدراسة على تقييم مدى قدرة نخيل الزيت على تحمل المناخ المصري الجاف، واحتياجاته المائية، ومقاومته للآفات والأمراض المحلية.
تفاصيل المشروع البحثي
تم بالفعل زراعة مجموعة من فسائل نخيل الزيت داخل حقول التجارب الخاصة بالمعمل المركزي للنخيل، حيث سيخضع نموها لمراقبة دقيقة من قبل فريق من الباحثين المتخصصين. تتضمن أهداف المشروع البحثي الرئيسية ما يلي:
- مراقبة مراحل نمو النبات منذ كونه فسيلة وحتى وصوله إلى مرحلة الإثمار.
- تحديد أنسب الممارسات الزراعية من حيث الري والتسميد التي تتوافق مع التربة والظروف الجوية في مصر.
- تقييم الإنتاجية المحتملة للشجرة من حيث كمية الثمار وجودة الزيت المستخلص منها.
- دراسة الجدوى الاقتصادية للمشروع على المدى الطويل، ومقارنة تكاليف الإنتاج المحلي بأسعار الاستيراد.
وشدد الخبراء على أن المشروع لا يزال في مراحله الأولية، وأن الحصول على نتائج علمية موثوقة قد يستغرق عدة سنوات، حيث يحتاج نخيل الزيت إلى فترة طويلة نسبياً للوصول إلى مرحلة الإنتاج الكامل.
الأبعاد الاستراتيجية ومواجهة التغيرات المناخية
لا تقتصر أهمية هذه التجربة على الجانب الاقتصادي فحسب، بل تمتد لتشمل البعد البيئي والاستراتيجي المتعلق بالتغيرات المناخية. فمع ارتفاع درجات الحرارة عالمياً، تسعى مصر إلى تنويع سلتها الزراعية وإدخال محاصيل جديدة ذات قدرة على تحمل الحرارة، وهو ما قد يجعل نخيل الزيت خياراً محتملاً في المستقبل إذا أثبتت الأبحاث قدرته على التكيف.
يمثل هذا المشروع خطوة استباقية لدراسة الحلول المبتكرة التي يمكن أن تساهم في بناء نظام زراعي أكثر مرونة واستدامة، وقادر على مواجهة التحديات المستقبلية، وعلى رأسها ندرة المياه والتغيرات في الأنماط المناخية. إن نجاح هذه التجربة قد يفتح الباب أمام توسع زراعي في محاصيل استراتيجية أخرى لم تكن زراعتها ممكنة في السابق.




