مصر تقر تعديلاً تاريخياً على قانون الإجراءات الجنائية يطبق استئناف أحكام الجنايات
في خطوة تشريعية وصفت بالتاريخية، صدّق الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي مطلع عام 2024 على القانون رقم 1 لسنة 2024، الذي يقضي بتعديل بعض أحكام قانون الإجراءات الجنائية الصادر عام 1950. يمثل هذا التعديل تحولاً جوهرياً في منظومة العدالة الجنائية المصرية، حيث يهدف إلى تحديث الإجراءات القضائية وتعزيز ضمانات المحاكمة العادلة بما يتماشى مع المعايير الدستورية والدولية الحديثة.

خلفية التشريع ومسار الإقرار
جاءت هذه التعديلات استجابة لحاجة ملحة لتطوير قانون الإجراءات الجنائية الذي ظل سارياً لأكثر من سبعين عاماً، وهي فترة شهدت تغيرات اجتماعية وتقنية هائلة. وقد مر مشروع القانون برحلة تشريعية لافتة، حيث أعاده الرئيس السيسي إلى مجلس النواب في وقت سابق بعد موافقته الأولية، داعياً إلى مزيد من الحوار المجتمعي وإدخال تعديلات أوسع تضمن تحقيق التوازن بين حقوق المتهم والمجتمع وسرعة الفصل في القضايا. وبعد دراسات مستفيضة وجلسات نقاشية، أقر مجلس النواب الصيغة النهائية التي عالجت الملاحظات الرئاسية، مما مهد الطريق للتصديق عليها وإصدارها.
أبرز ملامح القانون الجديد
يتركز جوهر التعديلات الجديدة في عدد من المحاور الأساسية التي من شأنها إعادة هيكلة بعض أهم مراحل التقاضي الجنائي في مصر، وأهمها على الإطلاق:
- تطبيق نظام التقاضي على درجتين في الجنايات: يعد هذا البند التعديل الأهم والأكثر تأثيراً، حيث يسمح لأول مرة في تاريخ القضاء المصري باستئناف الأحكام الصادرة من محاكم الجنايات. سابقاً، كانت هذه الأحكام نهائية ولا يمكن الطعن عليها إلا بالنقض أمام محكمة النقض، التي تقتصر مراجعتها على تطبيق القانون دون الخوض في وقائع القضية. أما النظام الجديد، فينشئ محاكم استئناف جنايات متخصصة لإعادة نظر القضية موضوعاً وقانوناً، مما يوفر درجة تقاضٍ إضافية لتحقيق العدالة وتدارك أي أخطاء محتملة في الحكم الأول.
- الجدول الزمني للتطبيق: نظراً للتغييرات الكبيرة التي يتطلبها هذا التعديل في هيكل المحاكم، نص القانون على أن يتم تطبيق نظام استئناف الجنايات بشكل كامل اعتباراً من 1 يناير 2025، لإتاحة الوقت الكافي لوزارة العدل لتجهيز الدوائر القضائية الجديدة وتأهيل الكوادر اللازمة.
- ضوابط الإجراءات الاحترازية: شملت التعديلات أيضاً وضع ضوابط أكثر تحديداً للإجراءات التي تمس الحريات الشخصية والأموال، مثل أوامر المنع من السفر والوضع على قوائم ترقب الوصول والتحفظ على الأموال، حيث ربطت إصدارها ومراجعتها بآليات قضائية واضحة لضمان عدم التعسف في استخدامها.
الأهمية والتأثير المتوقع
يرى خبراء قانونيون أن هذا التعديل يمثل نقلة نوعية في مسار تحقيق العدالة الناجزة والمنصفة في مصر. فمن خلال إقرار درجة ثانية للتقاضي في الجنايات، تتوافق المنظومة التشريعية المصرية مع المادة 96 من الدستور المصري التي تكفل هذا الحق، بالإضافة إلى العديد من المواثيق الدولية لحقوق الإنسان. ومن المتوقع أن يؤدي تطبيق القانون إلى تقليل عدد الطعون بالنقض، وتخفيف العبء عن محكمة النقض لتركز على دورها الأساسي في توحيد المبادئ القانونية، فضلاً عن تعزيز ثقة المتقاضين في النظام القضائي.
كما تهدف التعديلات في مجملها إلى مواكبة العصر عبر إمكانية تفعيل استخدام الوسائل التكنولوجية الحديثة في الإجراءات القضائية مستقبلاً، وهو ما يساهم في تسريع وتيرة التقاضي دون الإخلال بحقوق الدفاع. وتعد هذه الإصلاحات جزءاً من استراتيجية أوسع تتبناها الدولة المصرية لتطوير بنيتها التشريعية والقضائية.





