مصر: محكمة جنايات المنيا تصدر حكم الإعدام على قاتلة زوجها وأطفاله الستة بالخبز المسمم
في حكم هز الرأي العام وأثار موجة من الصدمة والاستنكار، أصدرت محكمة جنايات المنيا، في جلسة علنية عقدت يوم السبت، 13 يناير 2024، حكماً بالإعدام شنقاً على سيدة أدينت بقتل زوجها وأطفاله الستة من زوجته الأولى، وذلك بعد أن قامت بتسميمهم بوضع مادة سامة في الخبز. وقد اعتبرت المحكمة أن الجريمة مكتملة الأركان من حيث القصد الجنائي والترصد، مما استوجب أقصى العقوبة المنصوص عليها في القانون المصري.

تفاصيل هذه القضية المروعة تكشفت على مدار عدة أشهر من التحقيقات والمحاكمة، والتي تابعتها الأوساط المصرية باهتمام بالغ نظراً لبشاعة الجريمة التي استهدفت عائلة بأكملها، بما في ذلك أطفال أبرياء لم تتجاوز أعمار بعضهم سنوات قليلة. وقد أثارت القضية نقاشاً واسعاً حول قضايا العنف الأسري وسلامة الأطفال داخل البيئة الأسرية.
خلفية الجريمة وتفاصيلها المروعة
تعود أحداث القضية إلى مارس 2021، عندما تلقت الأجهزة الأمنية في محافظة المنيا بلاغاً بوفاة سبعة أفراد من أسرة واحدة داخل منزلهم في إحدى قرى مركز المنيا. الضحايا هم الزوج وستة من أبنائه من زوجته الأولى. أثارت الوفاة الجماعية الغامضة شكوك الأجهزة الأمنية، خاصة وأن الأعراض التي ظهرت على الجثث كانت تشير إلى تعرضهم لتسمم حاد. على الفور، باشرت النيابة العامة تحقيقاتها المكثفة، وانتقل فريق من الطب الشرعي إلى مكان الحادث لرفع البصمات ومعاينة الجثث، وأخذ عينات لتحليلها.
بعد ساعات قليلة من التحقيقات وجمع الاستدلالات، حامت الشكوك حول زوجة الأب (الزوجة الثانية للمجني عليه)، والتي بدت عليها علامات الارتباك والقلق. وبالضغط عليها في التحقيقات الأولية، انهارت المتهمة واعترفت بتفاصيل الجريمة المروعة. أقرّت بأنها خططت للتخلص من زوجها وأبنائه الستة، حيث قامت بوضع مادة سامة قاتلة (مبيد حشري شديد السمية) في عجين الخبز الذي أعدته للعائلة. وقد استهلك الضحايا الخبز المسمم دون علم، مما أدى إلى وفاتهم تباعاً بعد وقت قصير من تناول الوجبة.
دوافع الجريمة وسير التحقيقات
خلال التحقيقات، كشفت المتهمة عن دوافعها التي كانت تتراوح بين خلافات زوجية متكررة ورغبتها في التخلص من زوجها للانفصال عنه أو الارتباط بآخر، بالإضافة إلى وجود مشاكل تتعلق بمسؤولية تربية الأبناء الستة الذين لم يكونوا أبناءها البيولوجيين، وشعورها بالغيرة أو الضغط من وجودهم. هذه الدوافع، وإن كانت تكشف عن حجم الاضطرابات النفسية والاجتماعية التي تعيشها المتهمة، إلا أنها لا تبرر بأي حال من الأحوال الجريمة البشعة التي ارتكبتها بحق الأبرياء.
استغرقت التحقيقات عدة أشهر، حيث تم جمع الأدلة المادية والفنية، بما في ذلك تقارير الطب الشرعي التي أكدت وجود المادة السامة في أحشاء الضحايا، وشهادات الشهود من الجيران والأقارب، بالإضافة إلى اعترافات المتهمة المفصلة. كل هذه الأدلة شكلت جداراً متيناً من الإثباتات التي لا تدع مجالاً للشك في تورط المتهمة بشكل كامل ومباشر في الجريمة.
مسار المحاكمة والحكم بالإعدام
بعد اكتمال التحقيقات، أحالت النيابة العامة المتهمة إلى محكمة جنايات المنيا، متهمة إياها بالقتل العمد مع سبق الإصرار والترصد. بدأت جلسات المحاكمة، حيث استمعت المحكمة إلى مرافعة النيابة العامة التي طالبت بتوقيع أقصى عقوبة على المتهمة، وقدمت هيئة الدفاع عن المتهمة دفوعها، لكن الأدلة الدامغة كانت أقوى.
في إطار الإجراءات القانونية المتبعة في قضايا الإعدام بمصر، وبعد أن استقرت قناعة المحكمة بإدانة المتهمة، قامت بإحالة أوراق القضية إلى فضيلة مفتي الجمهورية لأخذ رأيه الشرعي، وهو إجراء استشاري وجوبي يسبق النطق بالحكم النهائي بالإعدام. وبعد أن أيد فضيلة المفتي الحكم، عادت المحكمة لتصدر قرارها النهائي في 13 يناير 2024 بتوقيع عقوبة الإعدام شنقاً على المتهمة. ويظل هذا الحكم قابلاً للطعن أمام محكمة النقض، وهي أعلى محكمة طعون في البلاد، لتتأكد من سلامة تطبيق القانون.
الأبعاد المجتمعية وأهمية الحكم
لقد تركت هذه الجريمة البشعة بصمة عميقة في الوعي المجتمعي المصري، إذ أثارت تساؤلات جدية حول مدى تفشي العنف الأسري وضرورة تعزيز آليات حماية الأطفال. كما سلطت الضوء على أهمية دور الأسرة والمؤسسات المجتمعية في رصد ومعالجة المشاكل الأسرية قبل أن تتفاقم وتصل إلى مراحل مأساوية كهذه. وقد لاقى الحكم بالإعدام ترحيباً واسعاً في الأوساط الشعبية، حيث اعتبره كثيرون رادعاً قوياً لمثل هذه الجرائم البشعة، ومحققاً للعدالة لأرواح الضحايا الأبرياء.
تؤكد مثل هذه الأحكام الصارمة على عزم القضاء المصري على تطبيق القانون بكل حزم ضد من يرتكبون جرائم ضد الإنسانية وتستهدف سلامة المجتمع واستقراره، خاصة عندما تتعلق بحياة الأطفال العزل. إن هذه القضية ستظل محفورة في الذاكرة الجمعية كواحدة من أبشع الجرائم الأسرية التي شهدتها مصر في السنوات الأخيرة.





