معالي زايد: إحياء ذكرى أيقونة السينما المصرية التي جسدت صوت الإنسانية
تحل هذه الأيام ذكرى وفاة الفنانة القديرة معالي زايد، التي رحلت عن عالمنا تاركةً إرثاً فنياً غنياً ومسيرة حافلة بالإنجازات. تُعتبر زايد، التي تُلقب بـ «أيقونة السينما المصرية» و«صوت الإنسانية في الفن»، واحدة من أبرز النجمات اللواتي أثرين الشاشة المصرية بموهبتهن الفريدة وقدرتهن على التقمص العميق للشخصيات، ما أكسبها مكانة مرموقة في وجدان الجماهير والنقاد على حد سواء.

مسيرة فنية حافلة بالتميز والتنوع
امتدت مسيرة معالي زايد الفنية لأكثر من ثلاثة عقود، قدمت خلالها مجموعة واسعة من الأعمال التي لا تزال خالدة في ذاكرة الجمهور. بدأت زايد، المولودة في عام 1953، مسيرتها الفنية في فترة السبعينيات بعد تخرجها من المعهد العالي للفنون المسرحية. وسرعان ما برزت كموهبة استثنائية بقدرتها على التحول بين الأدوار الكوميدية والتراجيدية ببراعة نادرة. لقد جسدت شخصيات متنوعة، من المرأة القوية والمناضلة إلى الفتاة الشعبية البسيطة، مروراً بالمرأة المعذبة نفسياً، مما عكس مدى اتساع نطاقها التمثيلي وقدرتها على تجسيد التعقيدات البشرية بصدق وعمق فني.
خلال مسيرتها الفنية الحافلة، شاركت الفنانة الراحلة في نحو 90 فيلماً سينمائياً، قدمت فيها أدواراً محورية تركت بصمة واضحة، منها أعمال بارزة مثل «السادة الرجال»، الذي قدمت فيه دوراً جريئاً وغير تقليدي عكس تحديات المرأة في المجتمع، و«البيضة والحجر» حيث أدت شخصية ذات أبعاد نفسية عميقة كشفت عن موهبة تمثيلية فريدة، و«قضية سميحة بدران» الذي أظهر قدرتها الفائقة على التعبير عن الصراعات الداخلية للشخصيات. لم يقتصر تألقها على السينما، بل امتد ليشمل التلفزيون حيث قدمت أكثر من 60 مسلسلاً تلفزيونياً، من أبرزها «دموع في عيون وقحة» و«عيلة الدوغري»، وأيضاً المسرح حيث شاركت في ستة عروض مسرحية، ما يؤكد شمولية موهبتها الفنية وقدرتها على التألق في مختلف أشكال الأداء المسرحي والتلفزيوني والسينمائي.
معالي زايد: صوت المهمشين وقضايا المجتمع
لم تكن معالي زايد مجرد ممثلة تقدم أدواراً ترفيهية، بل كانت فنانة صاحبة رسالة واضحة وأجندة فنية ملتزمة. تميزت باختيارها لأدوار تناولت قضايا اجتماعية وإنسانية عميقة، وغالباً ما كانت تمثل صوت المهمشين والطبقات الكادحة في المجتمع. هذه النوعية من الأدوار هي التي منحتها لقب «صوت الإنسانية في الفن»، حيث كانت تجسد آلام وآمال البسطاء بصدق وعمق بالغين، مستخدمة تعابير وجهها وحركات جسدها بمهارة فائقة لإيصال رسائل قوية ومؤثرة تخاطب الوجدان الجمعي.
قدرتها الفائقة على الغوص في أعماق النفس البشرية وتقديم شخصيات معقدة نفسياً واجتماعياً جعلت أعمالها محط تقدير النقاد والجمهور على حد سواء. كانت تضفي على كل شخصية لمسة خاصة من الواقعية والصدق، مما جعل الجمهور يتعاطف معها ويتأثر بقصصها وكأنها تعكس جزءاً من واقعهم. لقد كان لـ زايد أسلوبها الخاص في التمثيل، الذي يعتمد على الانفعال الصادق والتفاصيل الدقيقة في الأداء، مما جعلها من القلائل الذين استطاعوا ترك هذا الأثر العميق في المشاهدين، الأمر الذي عزز مكانتها كفنانة مؤثرة وذات قيمة فنية عالية، وقادرة على طرح الأسئلة الجوهرية حول المجتمع والإنسان والتحديات التي يواجهها.
إرث فني خالد يتجاوز الأزمان
تظل ذكرى معالي زايد حية في قلوب محبيها وذاكرة الفن المصري. لم تكن مجرد نجمة سطعت لسنوات، بل كانت ركيزة أساسية في تشكيل جزء كبير من تاريخ الدراما والسينما المصرية المعاصرة. إسهاماتها المتعددة والمتنوعة جعلتها نموذجاً للفنان الشامل الذي لا يخشى تجسيد أصعب الأدوار وأكثرها تحدياً، ملتزمة بتقديم فن راقٍ وهادف يعكس قضايا المجتمع بجرأة وموضوعية.
واليوم، مع حلول ذكرى رحيلها، تستمر أعمالها في أن تكون مصدراً للإلهام والدراسة للأجيال الجديدة من الفنانين، ومادة ثرية للتحليل الفني الذي يبرز كيف يمكن للفن أن يكون مرآة صادقة للمجتمع ومنبراً للتعبير عن القضايا الإنسانية الملحة. تبقى معالي زايد اسماً لامعاً في سماء الفن، ومثالاً يحتذى به للموهبة الأصيلة والالتزام بقضايا الإنسان، وتؤكد ذكرى رحيلها على حجم الفراغ الذي تركته في الساحة الفنية، لكن أعمالها الخالدة تضمن لها مكاناً فريداً في قلوب عشاق الفن العربي وفي سجلات السينما المصرية.





