معالي زايد: إرث فني خالد يتجدد في ذكرى ميلادها
تحل اليوم، في الخامس من نوفمبر، ذكرى ميلاد الفنانة المصرية القديرة معالي زايد، التي رحلت بجسدها تاركةً خلفها إرثاً فنياً استثنائياً ما زال صداه يتردد في أروقة السينما والتلفزيون والمسرح العربي. تُعد زايد من الأسماء البارزة التي ساهمت في تشكيل وجدان الجمهور العربي عبر عقود، بأدوارها المتنوعة التي جمعت بين القوة والرقة، والكوميديا والتراجيديا، مقدمةً بذلك نماذج إنسانية عميقة وواقعية.

تأتي هذه المناسبة كفرصة متجددة للتوقف أمام مسيرة فنانة حقيقية لم تكتفِ بتجسيد الشخصيات، بل منحتها روحاً وحياةً على الشاشة، فتركت بصمة لا تُمحى في تاريخ الفن المصري والعربي. يتناول هذا التقرير، استناداً إلى تحليلات وتقارير من مواقع إخبارية وفنية مرموقة صدرت في هذا السياق، جوانب من رحلة معالي زايد الفنية وأهمية أعمالها التي لا تزال تُعرض وتُناقش، محافظةً على مكانتها في الذاكرة الجمعية.
خلفية فنية ومسيرة حافلة
ولدت معالي عبد الله المنياوي، المعروفة فنياً باسم معالي زايد، في القاهرة في الخامس من نوفمبر عام 1953، لعائلة فنية بامتياز؛ فوالدها هو الفنان التشكيلي عبد الله المنياوي ووالدتها الفنانة التشكيلية آمال زايد. هذا النبت الفني الغني ساهم بشكل كبير في صقل موهبتها وتوجهها نحو عالم الفن. بدأت زايد مسيرتها الفنية في أواخر السبعينيات بعد تخرجها من المعهد العالي للفنون المسرحية عام 1975، لتشق طريقها بثبات وثقة، مستفيدةً من موهبتها الفطرية وحضورها القوي.
تعددت مشاركاتها بين خشبة المسرح، التي كانت بمثابة المدرسة الأولى لها، وشاشتي السينما والتلفزيون. تميزت منذ بداياتها بقدرتها على الانخراط في أدق تفاصيل الشخصيات التي تؤديها، مانحةً إياها بعداً إنسانياً عميقاً. لم تكن مجرد ممثلة تؤدي نصاً، بل كانت فنانة تجسد الروح والمشاعر، وهو ما ميزها عن أقرانها وجعلها محط أنظار كبار المخرجين والنقاد.
أدوار خالدة وتأثير عميق
قدمت معالي زايد خلال مسيرتها الفنية الحافلة ما يزيد عن مائة فيلم ومسلسل ومسرحية، تاركةً خلفها مجموعة من الأعمال التي أصبحت علامات فارقة في تاريخ الدراما والسينما. من أبرز أدوارها التي لا يزال الجمهور يستعيدها ويتفاعل معها نذكر:
- فيلم «أهل القمة» (1981): جسدت فيه شخصية معقدة تعكس تحولات المجتمع المصري في فترة معينة، وأظهرت قدرتها على الأداء الدرامي العميق.
- فيلم «الشقة من حق الزوجة» (1985): دورها الكوميدي الاجتماعي الذي أثبت براعتها في الكوميديا الخفيفة التي تحمل في طياتها نقداً اجتماعياً.
- فيلم «البيضة والحجر» (1990): أحد أدوارها الأكثر شهرة وتعقيداً، حيث أدت شخصية «شفيقة» ببراعة منقطعة النظير، لتصبح أيقونة في هذا العمل السينمائي الهام.
- مسلسل «دم الغزال» (2005): الذي قدمت فيه أداءً قوياً ومؤثراً، أكد على مكانتها كفنانة قديرة قادرة على حمل عمل درامي ضخم.
- مسلسل «المال والبنون»: الذي حظيت فيه بشعبية جماهيرية واسعة.
لم تقتصر أعمالها على نوع واحد، بل تنوعت بين الدراما الاجتماعية، الأفلام السياسية، الكوميديا، والأعمال التاريخية، ما يعكس قدرتها الفائقة على التلون والتحول. كانت زايد تتميز باختيار أدوارها بعناية، مبتعدةً عن الأدوار النمطية، ساعيةً دوماً لتقديم جديد ومختلف يثري مسيرتها ويسهم في وعي الجمهور.
الإرث المستمر والاحتفاء
رحلت الفنانة الكبيرة معالي زايد عن عالمنا في العاشر من نوفمبر عام 2014، بعد صراع مع المرض، تاركةً فراغاً كبيراً في الساحة الفنية. إلا أن أعمالها لم ترحل معها، بل ظلت حية تتناقلها الأجيال، وتشاهدها الأسر، وتُدرس في المعاهد الفنية كنماذج للأداء التمثيلي المتقن. في كل عام، تتجدد ذكرى ميلادها لتكون مناسبة لاستعادة أعمالها، وتسليط الضوء على إسهاماتها التي لا تقدر بثمن في الفن العربي.
يؤكد النقاد والجمهور على حد سواء أن معالي زايد لم تكن مجرد ممثلة تؤدي أدواراً، بل كانت فنانة بمثابة مرآة تعكس قضايا مجتمعها وهموم أفرادها بصدق وعمق. إرثها الفني لا يقتصر على الأفلام والمسلسلات التي قدمتها، بل يمتد ليشمل الدروس التي تركتها في الإخلاص للفن والجرأة في اختيار الأدوار والالتزام بتقديم رسالة هادفة. إن الاحتفاء بذكراها اليوم هو احتفاء بقيمة الفن الأصيل وبقوة الأداء الذي يترك أثراً خالداً لا تمحوه الأيام.





