معالي زايد في ذكرى ميلادها: لماذا رفضت أن تكون "فأر تجارب" بالنسبة للرجل؟
تحتفي الأوساط الفنية والثقافية اليوم بذكرى ميلاد الفنانة المصرية القديرة معالي زايد، التي وُلدت في مثل هذا اليوم، الخامس من نوفمبر عام 1953. تُعد زايد واحدة من أبرز أيقونات السينما والدراما المصرية، ليس فقط لموهبتها الفذة وأدوارها الخالدة، بل أيضاً لمواقفها الجريئة وتصريحاتها الصادقة التي غالباً ما كانت تعكس قضايا اجتماعية عميقة وتحديات تواجه المرأة. من بين هذه التصريحات، برزت مقولتها الشهيرة التي أثارت جدلاً واسعاً وما زالت تُستعاد حتى اليوم، حيث قالت: "لا أريد أن أكون فأر تجارب بالنسبة للرجل"، وهي عبارة تختزل الكثير من معاناة النساء وتطلعاتهن نحو المساواة والاحترام في العلاقات.

من هي معالي زايد؟ مسيرة فنية وإنسانية حافلة
وُلدت معالي زايد في القاهرة لعائلة فنية، فوالدتها هي الفنانة الكبيرة آمال زايد، ووالدها الصحفي اللامع منير زايد. هذا المزيج الثقافي أثرى شخصيتها الفنية والإنسانية منذ الصغر. التحقت بكلية الفنون الجميلة، ثم بالمعهد العالي للفنون المسرحية، حيث صقلت موهبتها وتميزت أكاديمياً. بدأت مسيرتها الفنية في أواخر السبعينيات، وسرعان ما لفتت الأنظار بحضورها القوي وقدرتها على تجسيد أدوار مركبة ومتنوعة، تراوحت بين الكوميديا والتراجيديا. من أبرز أعمالها السينمائية التي رسخت مكانتها: "الشقة من حق الزوجة"، "البيضة والحجر"، "السادة الرجال"، "أبو كرتونة"، "الصبر في الملاحات"، و"حدوتة مصرية". كانت معالي زايد فنانة ملتزمة بقضايا مجتمعها، وقدمت من خلال أعمالها نماذج للمرأة المصرية في مختلف الطبقات والظروف، غالباً ما كانت هذه النماذج تتسم بالقوة والتحدي.
خلفية تصريح "فأر التجارب": بحث عن الاحترام والمساواة
يُعاد تداول تصريح معالي زايد حول رفضها أن تكون "فأر تجارب" للرجل بشكل مكثف كلما حلت ذكرى ميلادها أو وفاتها. يعود هذا التصريح إلى عدة لقاءات صحفية وتلفزيونية تحدثت فيها عن حياتها الشخصية وعلاقاتها العاطفية والزوجية. كانت الفنانة قد تزوجت عدة مرات (يُذكر أنها كانت ثلاث زيجات) لم تكلل أي منها بالاستقرار الذي كانت تبحث عنه. في سياق هذه التجارب، أعربت عن شعورها بأنها لم تجد الشريك الذي يفهمها ويقدرها ككيان مستقل، وأنها في بعض الأحيان كانت تشعر وكأنها تُستخدم لتجارب علاقات غير ناضجة أو غير جدية، حيث لا يتم الاعتراف بقيمتها الذاتية أو احترام رغباتها وطموحاتها. كانت زايد تبحث عن علاقة مبنية على الشراكة الحقيقية والاحترام المتبادل، لا علاقة يكون فيها طرف أداة للطرف الآخر لاختبار مفاهيمه أو رغباته الخاصة دون اعتبار لمشاعرها وكيانها.
أبعاد المقولة وتأثيرها الاجتماعي
تجاوزت مقولة معالي زايد كونها تعبيراً عن تجربة شخصية لتصبح رمزاً لمطالبات أوسع نطاقاً بحقوق المرأة في المجتمعات العربية. لقد لامست هذه العبارة وتراً حساساً لدى العديد من النساء اللواتي يشعرن بالضغط المجتمعي لتحديد قيمتهن من خلال علاقاتهن بالرجال، أو من خلال أدوار نمطية مفروضة عليهن. رفض زايد أن تكون "فأر تجارب" كان بمثابة إعلان لاستقلالها الشخصي ورفضها للتنميط أو الخضوع لمعايير ذكورية قد تحد من حريتها وكرامتها. تعبر المقولة عن الرغبة في أن تُرى المرأة كشخص كامل بذاته، يستحق التقدير والتفاهم، وليس ككائن يتم اختباره أو استخدامه لتحقيق غايات لا تخدم سعادته أو كماله. وهذا ما جعل تصريحها يتردد صداه لدى أجيال مختلفة من النساء اللواتي يطمحن إلى بناء علاقات صحية ومتوازنة.
إرث معالي زايد: فنانة ومناضلة لقضايا المرأة
تركت معالي زايد خلفها إرثاً فنياً غنياً يضم عشرات الأعمال الخالدة، لكن إرثها يتعدى الشاشة ليلامس الجوانب الاجتماعية والإنسانية. لقد رحلت الفنانة عن عالمنا في العاشر من نوفمبر عام 2014، لكن صوتها وظلت مواقفها الصارمة والجريئة، خاصة تصريحها الشهير، حاضرة بقوة في الذاكرة الجمعية. إنها تُذكر كفنانة صاحبة موهبة استثنائية وشخصية قوية، تحدت التوقعات وتحدثت بصراحة عن قضايا حساسة. تستمر كلماتها في إلهام النقاش حول استقلالية المرأة، وحقها في اختيار مصيرها، والسعي نحو علاقات قائمة على الاحترام والندية. في ذكرى ميلادها، لا يُحتفى بميلاد فنانة عظيمة فحسب، بل يُحتفى أيضاً بروح جريئة دافعت عن قيم تؤمن بها، وتركت بصمة لا تُمحى في قلوب وعقول محبيها وفي تاريخ الفن والمجتمع.





