معرض "نحن نصمم بيروت" يعود لإحياء المدينة بالفن والعمارة
في وقت سابق هذا الأسبوع، استضافت العاصمة اللبنانية بيروت النسخة الثانية من معرض "نحن نصمم بيروت"، وهو حدث تصميمي وعماري طموح يهدف إلى إعادة إحياء المدينة ونبض الحياة فيها من خلال تلاقح الفن والتصميم والعمارة. يأتي هذا المعرض، الذي يُعد منصةً حيويةً للمواهب اللبنانية، في فترة حرجة للغاية بالنسبة لبيروت، التي لا تزال تسعى للتعافي من سلسلة من الأزمات المتتالية، أبرزها انفجار مرفأها المدمر في أغسطس 2020 والتحديات الاقتصادية المستمرة.
يعمل المعرض على مدار خمسة أيام كجسر يربط الماضي بالحاضر والمستقبل، مسلطاً الضوء على مشهد التصميم الغني في العاصمة اللبنانية، والذي يمزج ببراعة بين التقاليد العريقة والابتكارات الحديثة. المنظمون والقائمون على المعرض يؤكدون أن الفن والعمارة ليسا مجرد مظاهر جمالية، بل هما أدوات قوية لإعادة بناء الروح المجتمعية، وتحفيز الاقتصاد، وإعادة ترسيخ مكانة بيروت كمركز إقليمي ودولي للإبداع.
الخلفية والأهمية
تُعد بيروت تاريخياً مدينة نابضة بالحياة الثقافية والفنية، وقد شكلت دائماً ملتقى للحضارات والأفكار. إلا أن السنوات القليلة الماضية ألقت بظلالها على هذا المشهد، مما جعل الحاجة ماسة لجهود ملموسة تعيد الحياة إلى شوارعها ومؤسساتها الإبداعية. معرض "نحن نصمم بيروت" نشأ من هذه الحاجة، ليكون استجابة فنية وثقافية للأزمات، مقدماً رؤية متفائلة لمستقبل المدينة. النسخة الأولى من المعرض، التي لاقت استحساناً كبيراً، أثبتت أن التصميم يمكن أن يكون قوة دافعة للتغيير الإيجابي.
الأهمية البالغة لهذا الحدث تكمن في قدرته على تجميع المجتمع الإبداعي اللبناني، من مصممين معماريين، داخليين، مصممي منتجات، وحرفيين، تحت سقف واحد. إنه يوفر لهم منصة لعرض أعمالهم ليس فقط للجمهور المحلي، بل أيضاً للمجتمع الدولي، مما يفتح آفاقاً جديدة للتعاون والاستثمار. كما يسهم المعرض في الحفاظ على التراث الثقافي الغني لبيروت، من خلال تشجيع التصميمات التي تستلهم من الحرف التقليدية والمواد المحلية.
الفعاليات والمعروضات
تضمن معرض "نحن نصمم بيروت" لهذا العام برنامجاً غنياً ومتنوعاً من الفعاليات والمعروضات التي استقطبت الزوار من مختلف الاهتمامات. شملت هذه الفعاليات:
- عروض التصميم الداخلي والأثاث: حيث تم عرض قطع فريدة من الأثاث العصري الذي يجمع بين الوظيفية والجمال، بالإضافة إلى تصاميم داخلية مبتكرة تعكس الهوية اللبنانية المعاصرة.
- الأعمال المعمارية والتخطيط الحضري: قدم المعرض مشاريع معمارية مستدامة وحلولاً مبتكرة للتحديات الحضرية التي تواجه بيروت، مع التركيز على إعادة الإعمار والتنمية المستدامة.
- الفنون والحرف اليدوية: سلط الضوء على أعمال السيراميك، المنسوجات، المجوهرات، وغيرها من الحرف اليدوية التي تجسد المهارات الحرفية اللبنانية الأصيلة.
- الندوات وورش العمل: استضاف المعرض سلسلة من المحاضرات والندوات النقاشية بمشاركة خبراء محليين ودوليين في مجالات التصميم والعمارة، تناولت مواضيع مثل الابتكار المستدام، مستقبل المدن، ودور التصميم في التعافي.
- المعارض الخاصة: تم تخصيص مساحات لعرض أعمال لمصممين صاعدين وآخرين معروفين، بالإضافة إلى معارض تحتفي بذاكرة المدينة وتراثها.
لقد شهد المعرض مشاركة واسعة من كبار المصممين اللبنانيين المعروفين عالمياً، إلى جانب مواهب شابة واعدة، مما خلق مزيجاً فريداً من الخبرة والرؤى الجديدة. كما حضر ممثلون عن مؤسسات تصميم دولية، مما يعزز من مكانة المعرض على الخريطة العالمية.
التأثير والتطلعات المستقبلية
يُتوقع أن يكون لمعرض "نحن نصمم بيروت" تأثير عميق ومتعدد الأوجه على المدينة والمشهد الثقافي والاقتصادي فيها. على الصعيد الاقتصادي، يسهم المعرض في دعم الصناعات الإبداعية، وفتح أسواق جديدة للمصممين والحرفيين، وجذب الاستثمارات. كما أنه يساهم في تنشيط السياحة الثقافية، ويقدم صورة إيجابية عن بيروت كمدينة مرنة ومبدعة.
على الصعيد الاجتماعي والثقافي، يبعث المعرض رسالة قوية من الأمل والصمود، ويذكر سكان بيروت بقدرتهم على التغلب على المحن من خلال الإبداع والوحدة. إنه يعزز الشعور بالفخر بالهوية اللبنانية ويشجع على الحوار والتفاعل بين مختلف مكونات المجتمع. يطمح المنظمون لأن يصبح المعرض حدثاً سنوياً راسخاً، ينمو ويتطور ليخدم كمنارة للإبداع في الشرق الأوسط، ويستمر في دفع عجلة التنمية المستدامة لبيروت من خلال التصميم والفن.




