معرض "وقفة بين الماضي والحاضر" لفن أشغال الخشب ينطلق بكلية التربية النوعية بقنا
شهدت كلية التربية النوعية بجامعة جنوب الوادي بمدينة قنا مؤخرًا حدثًا ثقافيًا وفنيًا بارزًا، تمثل في افتتاح معرضها الفني السنوي لأشغال الخشب، الذي حمل عنوان "وقفة بين الماضي والحاضر". أُقيم المعرض تحت رعاية الدكتور أحمد عكاوي، رئيس جامعة جنوب الوادي، وحضره لفيف من القيادات الأكاديمية والخبراء الفنيين والطلاب، مما عكس اهتمام الجامعة البالغ بدعم الفنون التطبيقية ورعاية المواهب الشابة في هذا المجال الحيوي.

خلفية وأهمية فن أشغال الخشب
تُعد محافظة قنا من المناطق الغنية بالتراث الحرفي والفني في صعيد مصر، وتلعب جامعة جنوب الوادي، وكلية التربية النوعية تحديدًا، دورًا محوريًا في صون هذا التراث وتطويره. فن أشغال الخشب ليس مجرد حرفة يدوية، بل هو تعبير فني عميق يتطلب مهارة ودقة وحسًا جماليًا رفيعًا. يمتد تاريخ هذا الفن إلى آلاف السنين في الحضارة المصرية، من الأثاث الجنائزي القديم إلى المشغولات الإسلامية المعقدة، ويظل حتى اليوم وسيلة قوية للتعبير الإبداعي والحفاظ على الهوية الثقافية.
تهدف كلية التربية النوعية، من خلال أقسامها المختلفة، إلى إعداد كوادر مؤهلة في مجالات التربية الفنية والاقتصاد المنزلي والإعلام التربوي. ويأتي قسم التربية الفنية ليقدم للطلاب المهارات اللازمة في الفنون التشكيلية والتطبيقية، ومنها فن أشغال الخشب. هذا المعرض يمثل تتويجًا للجهود الأكاديمية والتدريب العملي الذي يتلقاه الطلاب، ويوفر منصة لعرض إبداعاتهم أمام الجمهور المختص والعام.
تفاصيل معرض "وقفة بين الماضي والحاضر"
ركز معرض "وقفة بين الماضي والحاضر" على استكشاف العلاقة بين التراث العريق لفن أشغال الخشب والتوجهات الفنية المعاصرة. ضم المعرض مجموعة متنوعة من الأعمال الفنية التي تعكس هذا التلاقي، حيث استعرضت قطعًا خشبية مصنوعة بتقنيات تقليدية عريقة مثل الحفر البارز والغائر والتطعيم بالصدف أو المعادن، إلى جانب أعمال أخرى ذات طابع حداثي تتميز بالبساطة في التكوين والجرأة في الأفكار. وقد تنوعت هذه الأعمال لتشمل:
- منحوتات خشبية تجريدية وتجسيدية.
- لوحات جدارية منفذة بتقنية الماركتريه (تطعيم الخشب).
- قطع أثاث فنية صغيرة ومبتكرة.
- أدوات منزلية وزخارف خشبية تحمل طابعًا تراثيًا ومعاصرًا.
شارك في المعرض نخبة من طلاب قسم التربية الفنية بالكلية، بإشراف أعضاء هيئة التدريس، بالإضافة إلى مساهمات من بعض الخريجين. كانت مشاركة الدكتور إلهامي صباح، أستاذ فنون أشغال الخشب بكلية التربية الفنية بجامعة حلوان، إضافة نوعية للمعرض، حيث قدم رؤى قيمة حول تطور هذا الفن وأهمية ربط الجيل الجديد بالأساتذة الرواد في المجال.
تصريحات رسمية ودلالات الحضور
أكد الدكتور أحمد عكاوي، رئيس جامعة جنوب الوادي، في كلمته الافتتاحية على أن الجامعة تولي اهتمامًا خاصًا بالفنون التطبيقية باعتبارها جزءًا لا يتجزأ من رسالتها التعليمية والمجتمعية. وشدد على دور الفنون في صقل شخصية الطالب وتنمية قدراته الإبداعية، مشيدًا بجهود كلية التربية النوعية في تنظيم هذا المعرض الذي يبرز مواهب الطلاب ويحتفي بإبداعاتهم.
من جانبه، أشار الدكتور محمد سعيد، نائب رئيس الجامعة لشؤون خدمة المجتمع وتنمية البيئة، إلى أن مثل هذه الفعاليات تساهم بفاعلية في ربط الجامعة بمحيطها المجتمعي، وتوفر فرصًا لتبادل الخبرات بين الأكاديميين والحرفيين، كما تشجع على إحياء الحرف التقليدية التي قد تندثر لولا جهود المؤسسات التعليمية في الحفاظ عليها وتطويرها. وأكد أن المعرض يُعد نموذجًا يحتذى به في التفاعل الإيجابي بين التعليم الجامعي واحتياجات سوق العمل الثقافي والفني.
وفي سياق متصل، أعرب الدكتور عمر عبدالقادر، عميد كلية التربية النوعية، عن فخره بمستوى الأعمال الفنية المعروضة، والتي تعكس جودة التعليم والتدريب الذي يتلقاه الطلاب. وأوضح أن الكلية تحرص على تزويد طلابها بالمهارات العملية والنظرية اللازمة ليكونوا فنانين ومعلمين متميزين قادرين على الابتكار والمساهمة في المشهد الفني المصري. وأضافت الدكتورة بدرية حسن، وكيل الكلية لشؤون خدمة المجتمع وتنمية البيئة، أن المعرض يمثل فرصة للطلاب للتواصل مع الجمهور والتعرف على ردود أفعالهم حول أعمالهم الفنية، مما يعزز ثقتهم بأنفسهم ويدفعهم نحو مزيد من الإبداع والتميز.
كما ألقى الدكتور محمد السيد، رئيس قسم التربية الفنية، الضوء على أهمية فن أشغال الخشب في المناهج الأكاديمية، مشيرًا إلى أنه لا ينمي المهارات اليدوية فحسب، بل يطور أيضًا التفكير التصميمي والقدرة على حل المشكلات الفنية. وثمن دور الضيف الشرفي الدكتور إلهامي صباح في إثراء المعرض بخبرته الطويلة وتقديمه الدعم المعنوي والفكري للطلاب.
التأثير الثقافي والأكاديمي للمعرض
لا يقتصر تأثير معرض "وقفة بين الماضي والحاضر" على كونه عرضًا للأعمال الفنية فحسب، بل يمتد ليشمل أبعادًا تعليمية وثقافية واجتماعية أعمق. فعلى المستوى التعليمي، يمثل المعرض تتويجًا لمسيرة التعلم والتدريب العملي لطلاب قسم التربية الفنية، حيث يمنحهم فرصة حقيقية لعرض إبداعاتهم وتقييمها، وبالتالي تعزيز ثقتهم بأنفسهم وتحفيزهم لمواصلة تطوير مهاراتهم الفنية. كما أنه يشجع على البحث والابتكار في مجال فن أشغال الخشب، من خلال دمج التقنيات التقليدية مع الرؤى الفنية الحديثة.
أما على الصعيد الثقافي، فيسهم المعرض بفاعلية في الحفاظ على أحد الفنون الحرفية الأصيلة في مصر، ويبرز جمالياته وقدرته على التكيف مع متطلبات العصر. إنه بمثابة جسر يربط بين الأجيال، حيث يعرض فنانون شباب أعمالاً تتأثر بتراث الأجداد ولكن بلمسة معاصرة، مما يضمن استمرارية هذا الفن وتطوره.
وعلى المستوى المجتمعي، يعزز المعرض دور الجامعة كمنارة للإشعاع الثقافي والفني في منطقة قنا. فهو يفتح أبواب الكلية أمام المجتمع المحلي للاطلاع على الإبداعات الطلابية والتعرف على الفنون التشكيلية، مما يسهم في رفع الذائقة الفنية وتعميق الوعي بأهمية الفنون في الحياة اليومية. كما يمكن أن يلهم هذا المعرض الشباب لتعلم هذه الحرف، مما يفتح آفاقًا جديدة أمامهم للعمل الحر وريادة الأعمال في مجال الفنون والحرف اليدوية.
في الختام، يُعد معرض "وقفة بين الماضي والحاضر" لفن أشغال الخشب بكلية التربية النوعية بقنا مثالاً حيًا للجهود المتكاملة التي تبذلها المؤسسات الأكاديمية لدعم الفنون والحفاظ على التراث الثقافي. لقد نجح المعرض في تسليط الضوء على المواهب الطلابية المتميزة، وتأكيد أهمية فن أشغال الخشب كشكل فني قادر على التجدد والتعبير عن روح العصر، مع الحفاظ على جذوره العريقة. ومن المتوقع أن يكون هذا الحدث السنوي حافزًا لمزيد من الإبداع والتميز في السنوات القادمة.





