نجوم الفن تحت قبة البرلمان: مشاركة الفنانين في الحياة السياسية المصرية
أصدر الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في 26 أكتوبر 2023 قرارًا جمهوريًا بتعيين عدد من الشخصيات العامة في مجلس الشيوخ المصري، شمل قائمة بارزة من نجوم الفن والدراما. جاء هذا القرار ليؤكد استمرارية تقليد مصري عريق يتمثل في إشراك القوى الناعمة من الفنانين والمثقفين في الحياة البرلمانية والعمل التشريعي، وهو ما يعكس اهتمام الدولة بتعزيز دور الفن في خدمة المجتمع والسياسة.

وقد شهدت القائمة المعلنة انضمام شخصيات فنية لامعة مثل الفنان ياسر جلال، الذي يضاف اسمه إلى كوكبة من الفنانين الذين سبق لهم الجلوس تحت قبة المجالس النيابية على مر العقود. هذه الخطوة ليست مجرد تكريم للفنانين، بل هي استراتيجية تهدف إلى الاستفادة من خبراتهم وقدرتهم على التواصل مع الجمهور في صياغة القوانين والسياسات التي تمس مختلف شرائح المجتمع.
خلفية تاريخية: مسيرة الفن في دهاليز السياسة
تضرب مشاركة الفنانين في الحياة البرلمانية المصرية بجذورها في عمق التاريخ السياسي للبلاد، منذ منتصف القرن الماضي. لم يكن وجود الفنانين في البرلمان ظاهرة حديثة، بل كان جزءًا من المشهد العام الذي يعكس تقدير الدولة لدور الفن والفنانين. من أبرز الأسماء التي لمعت في هذا المجال الفنان الكبير محمود المليجي، الذي يُعد من رواد هذه التجربة. شارك المليجي وغيره من عمالقة الفن في مجالس نيابية سابقة، سواء بالتعيين أو بالانتخاب، ليسهموا في صياغة القوانين وتقديم رؤى تعبر عن القطاع الفني والمجتمع بأسره.
كما ضمت قوائم البرلمانيين في فترات مختلفة أسماء فنية ذات ثقل جماهيري مثل الفنانة القديرة فاتن حمامة، والفنان عماد حمدي، وغيرهم الكثير ممن امتلكوا قاعدة شعبية واسعة ومصداقية لدى الجمهور. كانت مشاركتهم تُنظر إليها كجسر بين النخبة التشريعية والشعب، مما يضفي بعدًا إنسانيًا وفنيًا على العمل السياسي.
دلالات إشراك الفنانين في العمل التشريعي
إن حرص الدولة المصرية على ضم الفنانين إلى المجالس النيابية يحمل في طياته دلالات متعددة ويخدم أهدافًا استراتيجية:
- تعزيز القوى الناعمة: يؤكد هذا التوجه إيمان الدولة بأهمية القوى الناعمة ودورها في تشكيل الوعي العام وتصحيح الصورة الذهنية داخليًا وخارجيًا. فالفنانون يمثلون سفراء للثقافة المصرية وقادرون على إيصال رسائل وطنية بأسلوب مؤثر.
- تمثيل القطاع الفني والثقافي: يضمن وجود الفنانين تمثيلًا مباشرًا للقطاعات الفنية والثقافية، مما يسمح لهم بطرح قضاياهم واهتماماتهم أمام صانعي القرار، والمساهمة في سن تشريعات تدعم الإبداع وتحمي حقوق الفنانين.
- التواصل مع الجمهور: يتمتع الفنانون بقدرة فريدة على التواصل مع شرائح واسعة من الجمهور، مما يمكنهم من نقل نبض الشارع وهمومه إلى قبة البرلمان، وكذلك شرح وتبسيط القوانين والقرارات الحكومية للعامة.
- إثراء النقاش التشريعي: يضيف وجود الفنانين بعدًا إبداعيًا وإنسانيًا للمناقشات التشريعية، خاصة في القضايا المتعلقة بالثقافة، الإعلام، حقوق الملكية الفكرية، والتعليم، مستفيدين من حساسيتهم الفنية وفهمهم العميق للوجدان المجتمعي.
التوجهات الحديثة والآمال المعقودة
مع التعيينات الأخيرة، يبدو أن الدولة تواصل نهجها في الاستفادة من رمزية الفنانين وقدرتهم على التأثير. انضمام فنانين من أجيال مختلفة يبرز حرصًا على دمج الخبرة الفنية المتراكمة مع رؤى الأجيال الجديدة.
من المتوقع أن يساهم الفنانون المعينون في مناقشة وإقرار قوانين تتعلق بتطوير الصناعات الإبداعية، حماية التراث الثقافي، ودعم الشباب الموهوبين. كما يُعول عليهم في تعزيز المشاركة المجتمعية ورفع الوعي بالقضايا الوطنية. هذه المشاركة ليست مجرد إضافة أسماء لامعة، بل هي محاولة جادة لتوظيف طاقات وإمكانات فئة مؤثرة في بناء مستقبل أفضل لمصر، مع الحفاظ على التوازن بين الدور الفني والمسؤولية السياسية.





