نيويورك تايمز تكشف عن مباحثات في البيت الأبيض لضرب أهداف في فنزويلا
كشفت تقارير صحفية استناداً إلى مصادر مطلعة، وتحديداً في تقرير بارز لصحيفة نيويورك تايمز نُشر في سبتمبر 2018، أن مسؤولين في إدارة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب عقدوا اجتماعات سرية مع قادة عسكريين متمردين من فنزويلا لمناقشة خطط للإطاحة بالرئيس نيكولاس مادورو. وأثارت هذه الأنباء في حينها جدلاً واسعاً حول مدى استعداد واشنطن للجوء إلى الخيار العسكري للتعامل مع الأزمة السياسية والاقتصادية المتفاقمة في الدولة الواقعة في أمريكا الجنوبية.

خلفية التوترات بين واشنطن وكاراكاس
جاءت هذه المباحثات في ذروة تدهور العلاقات بين الولايات المتحدة وفنزويلا. فمنذ وصول نيكولاس مادورو إلى السلطة، شهدت فنزويلا انهياراً اقتصادياً حاداً، تمثل في تضخم جامح ونقص حاد في المواد الأساسية مثل الغذاء والدواء، مما أدى إلى أزمة إنسانية دفعت الملايين من الفنزويليين إلى الهجرة. ووصفت إدارة ترامب نظام مادورو بـ "الديكتاتوري" و"غير الشرعي"، خاصة بعد الانتخابات الرئاسية التي أُجريت في عام 2018 واعتبرتها واشنطن والعديد من الدول الأخرى مزورة.
رداً على ذلك، فرضت الولايات المتحدة سلسلة من العقوبات الاقتصادية الشديدة على الحكومة الفنزويلية وشركاتها الحكومية، بما في ذلك شركة النفط الوطنية PDVSA، بهدف عزل نظام مادورو مالياً وسياسياً وإجباره على التنحي عن السلطة.
تفاصيل المباحثات السرية
وفقاً لتقرير "نيويورك تايمز"، امتدت اللقاءات السرية على مدار العام الذي سبق نشر التقرير، حيث التقى مسؤولون أمريكيون، بمن فيهم دبلوماسيون ومسؤولون في مجلس الأمن القومي، مع قادة عسكريين فنزويليين كانوا يخططون للقيام بانقلاب عسكري. وطلب هؤلاء القادة دعماً أمريكياً، بما في ذلك تزويدهم بمعدات اتصال مشفرة، لتنفيذ خطتهم.
أظهر التقرير وجود انقسام داخل البيت الأبيض حول كيفية التعامل مع هذه المقترحات. فبينما أبدى الرئيس دونالد ترامب اهتماماً بالخيار العسكري وتساءل مراراً عن سبب عدم لجوء الولايات المتحدة إلى التدخل المباشر، كان عدد من كبار مستشاريه، بمن فيهم وزير الدفاع آنذاك، يحذرون من مخاطر مثل هذا الإجراء. وأشاروا إلى أن أي تدخل عسكري أمريكي مباشر أو حتى دعم انقلاب قد يأتي بنتائج عكسية، ويثير ردود فعل سلبية في جميع أنحاء أمريكا اللاتينية، التي تملك تاريخاً طويلاً من التدخلات الأمريكية.
ومع ذلك، كان هناك مسؤولون آخرون، مثل مستشار الأمن القومي آنذاك جون بولتون، يُعرفون بمواقفهم المتشددة تجاه فنزويلا، مما أبقى الخيار العسكري مطروحاً على الطاولة كأحد السيناريوهات المحتملة.
الدوافع وردود الفعل
كانت الدوافع الأمريكية للنظر في هذا الخيار المتطرف متعددة، وشملت القلق من الانهيار الكامل للدولة الفنزويلية وتأثير ذلك على استقرار المنطقة، بالإضافة إلى الرغبة في مواجهة نفوذ خصوم الولايات المتحدة في فنزويلا، مثل روسيا وكوبا. كما أن الأزمة الإنسانية المتفاقمة شكلت ضغطاً كبيراً لاتخاذ إجراءات أكثر حسماً.
عندما تم الكشف عن هذه المباحثات، سارعت حكومة نيكولاس مادورو إلى إدانتها، معتبرة إياها دليلاً قاطعاً على "مؤامرات الإمبريالية الأمريكية" للإطاحة بحكومته. وعلى الصعيد الإقليمي، أعربت معظم دول أمريكا اللاتينية، حتى تلك التي كانت تعارض مادورو بشدة، عن رفضها لأي تدخل عسكري، مؤكدة على ضرورة إيجاد حل سلمي ودبلوماسي للأزمة.
التطورات اللاحقة والأهمية
في النهاية، لم تقدم الولايات المتحدة دعماً مباشراً لمحاولة الانقلاب التي كان يخطط لها العسكريون الفنزويليون، وتم اعتقال بعضهم لاحقاً من قبل نظام مادورو. ورغم ذلك، لم تتخل واشنطن عن سياسة "الضغط الأقصى". ففي أوائل عام 2019، اتخذت خطوة تصعيدية أخرى عبر الاعتراف بزعيم المعارضة خوان غوايدو رئيساً مؤقتاً لفنزويلا، وفرضت عقوبات أكثر صرامة تهدف إلى شل قدرة الحكومة على تصدير النفط.
تكمن أهمية هذه التقارير في أنها كشفت عن مدى جدية المداولات داخل أعلى دوائر صنع القرار في واشنطن بشأن استخدام القوة العسكرية في نصف الكرة الغربي، وهو ما يعكس تحولاً كبيراً في السياسة الخارجية الأمريكية. كما سلطت الضوء على الانقسامات العميقة داخل إدارة ترامب حول أفضل السبل للتعامل مع الأنظمة التي تعتبرها معادية لمصالحها.





