هجمات بطائرات مسيّرة تضرب مدينة كنانة بولاية النيل الأبيض
شهدت مدينة كنانة بولاية النيل الأبيض في السودان، خلال الأسابيع الأخيرة من عام 2023، سلسلة من الهجمات التي نُفذت باستخدام طائرات مسيّرة، مما يمثل تصعيداً خطيراً في الصراع الدائر بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع. وتأتي هذه الهجمات لتنقل ساحة القتال إلى مناطق كانت تعتبر ملاذاً آمناً نسبياً لملايين النازحين، مما يفاقم الأزمة الإنسانية والاقتصادية في البلاد.

خلفية الصراع وامتداده
منذ اندلاع النزاع في أبريل 2023، تركزت المواجهات بشكل أساسي في العاصمة الخرطوم وإقليم دارفور. ونتيجة لذلك، أصبحت ولايات مثل النيل الأبيض وجهة رئيسية للنازحين الفارين من العنف. استقبلت الولاية مئات الآلاف من المواطنين الباحثين عن الأمان، وتحولت مدنها إلى مراكز إيواء ومساعدات إنسانية. إلا أن امتداد رقعة الصراع مؤخراً، وخصوصاً بعد سيطرة قوات الدعم السريع على ولاية الجزيرة المجاورة، غير هذا الواقع بشكل جذري.
تفاصيل الهجمات على كنانة
في أواخر ديسمبر 2023، استهدفت غارات جوية بطائرات بدون طيار مناطق متفرقة في مدينة كنانة، وهي مدينة صناعية حيوية تشتهر بوجود شركة سكر كنانة، أحد أكبر مصانع السكر في أفريقيا. تضاربت الروايات حول منفذ الهجمات وأهدافها، حيث تبادل طرفا النزاع الاتهامات. اتهمت قوات الدعم السريع الجيش السوداني بقصف أحياء سكنية ومناطق قريبة من المصنع، مما أسفر عن سقوط ضحايا من المدنيين، بينهم نساء وأطفال. من جهته، عادة ما يؤكد الجيش أن عملياته الجوية تستهدف تجمعات ومواقع عسكرية تابعة للدعم السريع.
التأثير والتبعات الإنسانية والاقتصادية
كان لهذه الهجمات تداعيات وخيمة على المستويين الإنساني والاقتصادي. وقد أثارت الغارات حالة من الذعر والهلع بين سكان المدينة والنازحين المقيمين فيها، مما دفع الكثيرين إلى النزوح مرة أخرى بحثاً عن مكان أكثر أمناً. وقد أفادت تقارير محلية بوقوع إصابات ووفيات في صفوف المدنيين، فضلاً عن الأضرار المادية التي لحقت بالممتلكات.
على الصعيد الاقتصادي، يمثل استهداف مدينة كنانة تهديداً مباشراً لأحد أهم الصروح الاقتصادية في السودان. وتكمن أهمية الشركة في عدة نقاط:
- الأمن الغذائي: تعد شركة سكر كنانة مصدراً رئيسياً للسكر في البلاد، وأي تعطل في إنتاجها يؤثر بشكل مباشر على الأمن الغذائي لملايين السودانيين.
- التوظيف: توفر الشركة آلاف فرص العمل المباشرة وغير المباشرة لسكان المنطقة، وتعتبر محركاً أساسياً للاقتصاد المحلي.
- الإيرادات الوطنية: تساهم الشركة بشكل كبير في إيرادات الدولة من خلال صادراتها، مما يجعل استقرارها ضرورياً للاقتصاد الوطني المنهك أصلاً بفعل الحرب.
الأهمية الاستراتيجية للتصعيد
يعكس قصف كنانة تحولاً استراتيجياً في مسار الحرب، حيث لم تعد الولايات التي كانت بمنأى عن القتال المباشر آمنة. إن توسع نطاق استخدام الطائرات المسيّرة من قبل الطرفين يزيد من مخاطر وقوع ضحايا مدنيين، نظراً لصعوبة التمييز بين الأهداف العسكرية والمدنية في كثير من الأحيان. كما يُظهر هذا التصعيد أن الصراع يدخل مرحلة جديدة من الاستنزاف، حيث يسعى كل طرف إلى ضرب البنية التحتية الاقتصادية والحيوية للطرف الآخر، مما يعمق من معاناة الشعب السوداني ويزيد من تعقيدات الوصول إلى حل سياسي للأزمة.





