هل تراجع النفط وتحسن الجنيه يفتحان الباب لمراجعة أسعار البنزين والسولار في مصر؟
تترقب الأوساط الاقتصادية والمواطنون في مصر ببالغ الاهتمام القرارات المرتقبة للجنة التسعير التلقائي للمنتجات البترولية، وذلك في ظل تطورين رئيسيين شهدهما السوق خلال الفترات الأخيرة: تراجع نسبي في أسعار النفط العالمية، وظهور مؤشرات على استقرار أو تحسن نسبي في سعر صرف الجنيه المصري أمام الدولار. يطرح هذا التطور تساؤلات حول إمكانية إعادة النظر في أسعار البنزين والسولار محليًا، وما إذا كانت هذه الظروف ستدفع اللجنة نحو تثبيت الأسعار أو حتى خفضها، أم أن هناك اعتبارات أخرى ستحول دون ذلك.

خلفية عن لجنة التسعير التلقائي وآلية عملها
تأسست لجنة التسعير التلقائي للمنتجات البترولية في مصر كجزء من جهود الحكومة لإصلاح منظومة دعم الوقود وتحرير أسعاره، بهدف ربط الأسعار المحلية بالتكلفة العالمية وتقليل العبء على الموازنة العامة للدولة. تجتمع اللجنة بشكل ربع سنوي، عادةً في بداية كل ربع (يناير، أبريل، يوليو، أكتوبر)، لمراجعة أسعار بيع المنتجات البترولية في السوق المحلية.
تعتمد قرارات اللجنة على معادلة سعرية تأخذ في الاعتبار ثلاثة عوامل رئيسية:
- متوسط أسعار النفط العالمية: وتحديدًا سعر خام برنت، خلال فترة المراجعة.
- سعر صرف الجنيه المصري مقابل الدولار الأمريكي: وهو العامل الذي يؤثر بشكل مباشر على تكلفة استيراد المشتقات النفطية والمواد الخام.
- التكاليف المحلية: وتشمل تكاليف الإنتاج، النقل، التكرير، والتوزيع داخل مصر، بالإضافة إلى الضرائب والرسوم المحلية.
تهدف هذه الآلية إلى ضمان الشفافية وتقليل التدخل الحكومي المباشر في تحديد الأسعار، مع السماح بحد أقصى للتغير في الأسعار لا يتجاوز 10% صعودًا أو هبوطًا لتجنب الصدمات السعرية الكبيرة للمستهلكين والموازنة.
التطورات الاقتصادية الأخيرة: النفط والجنيه
شهدت الأسواق العالمية خلال الربع الأخير من عام 2023 وبعض الفترات من أوائل عام 2024 تذبذبًا في أسعار النفط، مع ميول نحو التراجع في بعض الأحيان، مدفوعة بمخاوف بشأن تباطؤ النمو الاقتصادي العالمي وتأثيره على الطلب، فضلًا عن زيادة الإمدادات من بعض الدول المنتجة. هذا التراجع النسبي في أسعار النفط الخام، إذا ما استمر، يمكن أن يخفف من فاتورة الاستيراد المصرية للمنتجات البترولية.
على الصعيد المحلي، وبعد فترة طويلة من التراجعات المتتالية في قيمة الجنيه المصري أمام العملات الأجنبية، شهد سعر صرف الجنيه مقابل الدولار مؤشرات على استقرار نسبي أو تحسن طفيف في بعض الفترات. هذا الاستقرار، أو التحسن المتوقع، قد يساهم في تقليل تكلفة شراء العملة الصعبة اللازمة لاستيراد الوقود، وبالتالي قد يؤثر إيجابًا على المعادلة السعرية التي تتبناها لجنة التسعير.
تحليلات الخبراء وتوقعات السوق
يرى عدد من خبراء الاقتصاد والبترول أن تزامن تراجع أسعار النفط عالميًا مع أي تحسن في سعر صرف الجنيه المصري قد يوفر فرصة للجنة التسعير التلقائي لتجنب الزيادات الكبيرة في أسعار الوقود المحلية، أو حتى لتثبيت هذه الأسعار خلال اجتماعها الدوري المقبل. يشير هؤلاء الخبراء إلى أن هذه العوامل تقلل من الضغوط التضخمية المستوردة المرتبطة بتكلفة الوقود.
مع ذلك، يستبعد معظم المحللين حدوث خفض ملموس في أسعار البنزين والسولار في الوقت الحالي. ويعزون ذلك إلى عدة عوامل:
- الفجوة السعرية: لا تزال هناك فجوة بين تكلفة الإنتاج والاستيراد الفعلية للوقود في مصر، بما في ذلك التكاليف المحلية والتصنيع، وبين أسعار البيع للمستهلك، حتى مع تراجع النفط.
- اعتبارات الموازنة: تواصل الحكومة المصرية جهودها لترشيد الإنفاق وتقليل عجز الموازنة، ولا تزال تكلفة دعم الطاقة تمثل جزءًا من هذه المعادلة، حتى لو كان الدعم المباشر قد تراجع. أي خفض للأسعار قد يزيد العبء على الموازنة.
- الاستدامة الاقتصادية: تسعى الحكومة لضمان استدامة مواردها وتوفير العملة الصعبة، والابقاء على أسعار الوقود عند مستويات معينة يسهم في تحقيق ذلك.
- التقلبات المستقبلية: لا يمكن ضمان استمرار تراجع أسعار النفط العالمية أو استقرار الجنيه لفترات طويلة، مما يدفع اللجنة لاتخاذ قرارات حذرة.
وبناءً عليه، فإن السيناريو الأكثر ترجيحًا، وفقًا لآراء الخبراء التي تداولتها مصادر إعلامية مثل مصراوي، هو إما تثبيت أسعار البنزين والسولار أو تطبيق زيادات طفيفة ومحدودة، بدلًا من الخفض، وذلك خلال اجتماع اللجنة الذي يُعقد عادة في بداية الربع الجديد، والذي سيغطي قرارات الأسعار للربع التالي.
لماذا تهم هذه الأخبار؟
تعتبر أسعار الوقود في مصر من القضايا بالغة الأهمية التي تمس حياة المواطنين بشكل مباشر وغير مباشر. أي تغيير فيها يؤثر على:
- معدلات التضخم: حيث ترتبط أسعار الوقود بتكلفة النقل والشحن والإنتاج في مختلف القطاعات، مما ينعكس على أسعار السلع والخدمات النهائية.
- القدرة الشرائية للمواطنين: خاصة للفئات محدودة الدخل التي تتأثر بشكل كبير بارتفاع تكلفة المعيشة.
- القطاع الصناعي والتجاري: حيث تشكل أسعار الطاقة جزءًا أساسيًا من تكاليف التشغيل.
- الموازنة العامة للدولة: من حيث الدعم المقدم للوقود والإيرادات المحصلة من بيعه، وكيف يؤثر ذلك على قدرة الحكومة على الإنفاق في قطاعات أخرى حيوية.
إن قرارات لجنة التسعير التلقائي للمنتجات البترولية لا تعكس فقط الوضع الاقتصادي الراهن، بل ترسم أيضًا ملامح التوجهات الاقتصادية المستقبلية للدولة وتأثيرها على مختلف شرائح المجتمع.





