تايلند تبدأ عاما كاملا من الحداد على وفاة الملكة سيريكيت

أعلنت تايلند مؤخراً بدء فترة حداد وطني تستمر لعام كامل، وذلك عقب وفاة الملكة الأم سيريكيت كيتيياكارا، قرينة الملك الراحل بوميبول أدولياديج (راما التاسع) ووالدة الملك الحالي ماها فاجيرالونغكورن (راما العاشر). جاء هذا الإعلان ليؤكد رحيل الملكة سيريكيت يوم الجمعة الفائت، عن عمر يناهز 93 عاماً، بعد صراع طويل مع المرض أبعدها عن الأضواء العامة لسنوات. تمثل هذه الفترة من الحداد الوطني لحظة عميقة من الحزن والتأمل في البلاد التي لا تزال تستذكر وفاة ملكها المحبوب قبل بضع سنوات.

خلفية عن حياة الملكة سيريكيت وإرثها العظيم

تعتبر الملكة سيريكيت واحدة من أبرز الشخصيات في تاريخ تايلند الحديث، فقد كرست حياتها لخدمة الشعب التايلندي إلى جانب زوجها الملك بوميبول، الذي اعتلى العرش عام 1946 وحكم البلاد لأكثر من سبعين عاماً، مما جعله أطول ملوك العالم جلوساً على العرش. ولدت الملكة سيريكيت في 12 أغسطس 1932، وتزوجت الأمير بوميبول عام 1950 قبل وقت قصير من تتويجه. كانت رفيقته المخلصة والداعمة الرئيسية له خلال فترة حكمه الطويلة والمضطربة أحياناً.

اشتهرت الملكة سيريكيت بأعمالها الخيرية الكبيرة وإسهاماتها في التنمية الريفية وحفظ التراث الثقافي التايلندي. فقد أسست مؤسسة الدعم (SUPPORT Foundation) التي هدفت إلى تشجيع الحرف اليدوية التقليدية بين المزارعين والنساء في المناطق الريفية، مما وفر لهم مصادر دخل مستدامة وحافظ على فنون مثل النسيج الحريري والتطريز. كما أولت اهتماماً خاصاً بقضايا البيئة والحفاظ على الحياة البرية في تايلند. كانت شخصيتها الأنيقة والجذابة وإحساسها القوي بالواجب قد أكسباها محبة واحتراماً واسعين من الشعب التايلندي الذي كان يعتبرها رمزاً للأمومة والرعاية الوطنية.

على الرغم من أنها ابتعدت عن الظهور العام منذ حوالي عقد من الزمان بعد تعرضها لجلطة دماغية في عام 2012، إلا أن مكانتها في قلوب التايلنديين ظلت ثابتة. كانت وفاتها تمثل نهاية حقبة ذهبية ارتبطت بعهد زوجها، الذي كانت تُعتبر شريكاً أساسياً في الحفاظ على استقرار ووحدة الأمة خلال فترات التغيير السياسي والاجتماعي.

تفاصيل فترة الحداد الوطني وتأثيرها على الحياة العامة

في أعقاب إعلان وفاة الملكة سيريكيت، أصدرت الحكومة التايلندية توجيهات مفصلة بشأن فترة الحداد التي ستمتد لعام كامل. وتتضمن هذه التوجيهات:

الحداد الرسمي: يُطلب من جميع المسؤولين الحكوميين وموظفي الدولة ارتداء الملابس السوداء كعلامة على الحداد.
توصيات عامة: يُشجع عامة الشعب على ارتداء الملابس ذات الألوان الداكنة أو السوداء، والامتناع عن الألوان الزاهية، وذلك احتراماً لذكرى الملكة الراحلة.
تعديلات على الفعاليات: من المتوقع أن يتم تعديل أو تأجيل العديد من الفعاليات الترفيهية والثقافية والاحتفالات العامة خلال هذه الفترة. قد تشمل هذه التغييرات الحفلات الموسيقية، المهرجانات، وبعض العروض الفنية، حيث تسعى البلاد للحفاظ على جو من الجدية والوقار.
تغطية إعلامية: من المرجح أن تقوم وسائل الإعلام، بما في ذلك القنوات التلفزيونية والإذاعات، بتكييف محتواها ليعكس فترة الحداد، مع التركيز على البرامج الوثائقية أو المحتوى الذي يركز على إرث الملكة وحياة العائلة المالكة.
إظهار الاحترام: يتم وضع صور الملكة سيريكيت في الأماكن العامة والخاصة، مع إقامة مراسيم تذكارية وعروض للإجلال في المعابد والمؤسسات الحكومية.

تأتي هذه الفترة من الحداد الوطني بعد فترة وجيزة نسبياً من الحداد الذي شهدته تايلند لوفاة الملك بوميبول عام 2016، والذي استمر لعام كامل وتوج بجنازة ملكية مهيبة. يعكس تكرار فترات الحداد أهمية العائلة المالكة في نسيج المجتمع التايلندي، وتأثيرها العميق على الحياة اليومية للمواطنين.

المكانة الرمزية للملكية التايلندية وتأثير الرحيل

تحظى الملكية في تايلند بمكانة مقدسة ومحترمة للغاية، وتُعتبر رمزاً للوحدة الوطنية والاستقرار. يلعب الملك دوراً محورياً كضامن للتقاليد والمعتقدات التايلندية، وكمصدر إلهام لأمته. كانت الملكة سيريكيت، بوصفها قرينة لأحد أطول الملوك حكماً وأكثرهم شعبية، جزءاً لا يتجزأ من هذه المؤسسة الرمزية. لقد قدمت مثالاً يحتذى به في التفاني والخدمة، وعملت بلا كلل لدعم زوجها وشعبها.

يعد رحيل الملكة سيريكيت حدثاً تاريخياً يثير مشاعر الحزن العميق في جميع أنحاء المملكة. فهو لا يمثل فقط فقدان شخصية ملكية بارزة، بل يرمز أيضاً إلى نهاية فصل مهم في تاريخ تايلند الحديث. وبينما تواصل تايلند مسيرتها تحت قيادة الملك ماها فاجيرالونغكورن، فإن ذكرى الملكة الأم وإرثها من الخدمة والتفاني سيظلان مصدر إلهام للأجيال القادمة، وسيستمر التايلنديون في إظهار احترامهم وتقديرهم العميق للعائلة المالكة.