تامر محسن في مهرجان الفيوم: المسرح ضرورة لاكتمال الممثل وتكوينه

خلال مشاركته الأخيرة ضمن فعاليات مهرجان الفيوم الدولي لأفلام البيئة والفنون المعاصرة، أدلى المخرج المصري البارز تامر محسن بتصريح قوي ومحوري حول أهمية المسرح في مسيرة أي فنان، مؤكداً أن الممثل الذي لم يخض تجربة خشبة المسرح يظل ينقصه شيء جوهري. جاء ذلك في إطار جلسة ماستر كلاس قدمها محسن للحضور، حيث ركز على الدور التأسيسي الذي يلعبه المسرح في صقل موهبة الممثل وتزويده بمهارات لا يمكن اكتسابها بالكامل في أي وسيط آخر.

خلفية حول المخرج تامر محسن

يُعد تامر محسن واحداً من المخرجين المتميزين في الساحة الفنية العربية، حيث نال استحساناً واسعاً لأعماله التلفزيونية والسينمائية التي تتميز بالعمق والواقعية والاهتمام بالتفاصيل الدقيقة. من خلال مسيرته المهنية الحافلة، أثبت محسن قدرته على استخراج أفضل ما لدى الممثلين، مما يجعله سلطة فنية يعتد بها عند الحديث عن فن الأداء وتكوين الممثل. تتسم أعماله بالبحث عن الحقيقة الإنسانية وتقديمها بصدق، الأمر الذي يتطلب ممثلين ذوي قدرات عالية وفهم عميق للشخصيات.

فعاليات مهرجان الفيوم الدولي وأهمية الـ "ماستر كلاس"

يُعرف مهرجان الفيوم الدولي لأفلام البيئة والفنون المعاصرة بكونه منصة ثقافية وفنية تجمع الفنانين والجمهور لمناقشة قضايا فنية وبيئية هامة. توفر فعاليات الـ "ماستر كلاس" التي يستضيفها المهرجان فرصة ذهبية للمواهب الشابة والمهتمين بالفنون للاستفادة من خبرات قامات فنية مرموقة. هذه الجلسات المتخصصة تتيح للمشاركين التعمق في جوانب محددة من صناعة الفن، والحصول على نصائح عملية وإلهام مباشر من الخبراء، مما يسهم في تطوير مهاراتهم ورؤاهم الفنية. مشاركة تامر محسن في هذا الإطار تؤكد على التزام المهرجان بتقديم محتوى تعليمي قيم للمجتمع الفني.

لماذا المسرح ركيزة أساسية للممثل؟

تكمن أهمية تصريح تامر محسن في كونه يلامس جوهر التكوين الفني للممثل. فالمسرح، بصفته فنًا حيًا ومباشرًا، يفرض على الممثل تحديات فريدة تسهم في بناء شخصيته الفنية بشكل لا مثيل له. يمكن تلخيص هذه التحديات والمهارات المكتسبة في عدة نقاط رئيسية:

الحضور المسرحي: يكتسب الممثل على خشبة المسرح قدرة فائقة على التحكم في حضوره البدني والصوتي، مما يمكنه من ملء الفضاء المسرحي وجذب انتباه الجمهور دون الحاجة لوسائل مساعدة كالمؤثرات البصرية أو التقطيع السينمائي.
التحكم الصوتي والجسدي: يتعلم الممثل فن استخدام صوته وجسده كأدوات تعبيرية أساسية. يجب أن يكون الصوت واضحاً ومسموعاً ومحمّلاً بالمشاعر، وأن تكون حركة الجسد معبرة ومقنعة، وذلك طوال مدة العرض دون انقطاع.
التفاعل المباشر مع الجمهور: يختبر الممثل تفاعلاً فريداً ومباشراً مع الجمهور، حيث يتأثر أداؤه بردود الفعل الحية، ويتعلم كيفية الحفاظ على التركيز والطاقة مع التكيف مع أي طارئ. هذه التجربة لا تقدر بثمن في بناء الثقة بالنفس والقدرة على الارتجال.
بناء الشخصية بعمق: يجبر المسرح الممثل على الغوص عميقاً في تفاصيل الشخصية التي يجسدها، وفهم دوافعها وصراعاتها بشكل شامل، وذلك لأنه يعيش التجربة كاملة ومتواصلة من البداية حتى النهاية، مما يمنح الأداء أصالة وعمقاً.
الانضباط والالتزام: تتطلب البروفات المسرحية والعروض الحية انضباطاً عالياً والتزاماً صارماً بالمواعيد والمهام، مما يغرس في الممثل قيم المسؤولية والتعاون ضمن فريق العمل.

إن غياب هذه التجربة الحية يجعل الممثل يفتقد لبُعد أساسي في أدواته، فهو لم يُصقل بعد في بوتقة الأداء المباشر حيث لا توجد فرص لإعادة اللقطات أو التعديل في المونتاج. المسرح يمنح الفنان أساساً صلباً يمكنه البناء عليه في أي وسيط فني آخر، سواء كان تلفزيوناً أو سينما.

انعكاسات هذه الرؤية على صناعة التمثيل

تؤكد رؤية تامر محسن على أهمية الجذور المسرحية في صناعة التمثيل المعاصرة، وتُعد بمثابة دعوة للمواهب الجديدة لعدم إغفال خشبة المسرح كخطوة أساسية في تكوينهم. ففي عالم تتسارع فيه وتيرة الإنتاج السينمائي والتلفزيوني، قد ينجذب البعض مباشرة إلى الشاشة دون المرور بالمدرسة المسرحية. لكن محسن يذكر بأن الخبرة المسرحية ليست مجرد خيار، بل هي ضرورة لمن يطمح إلى الكمال في فن الأداء.

هذا التصريح يُسلط الضوء على قيمة التعليم الفني الأصيل ويشجع الأجيال الجديدة من الممثلين على البحث عن التدريب الشامل الذي يشمل جميع جوانب فن الأداء، وعلى رأسها المسرح. إن الممثل المكتمل هو من يمتلك القدرة على التألق في كل من الأداء المباشر والمسجل، والمسرح هو المفتاح لذلك الاكتمال.