آلاف السياح يشهدون ظاهرة تعامد الشمس على وجه رمسيس الثاني بمعبد أبو سمبل
في حدث فلكي وثقافي فريد من نوعه يتكرر مرتين سنوياً، شهدت محافظة أسوان المصرية مؤخراً ظاهرة تعامد الشمس على وجه الملك رمسيس الثاني داخل قدس الأقداس بمعبد أبو سمبل الكبير. جذب هذا المشهد المهيب ما يقرب من 4 آلاف سائح وزائر من مختلف الجنسيات، توافدوا لمشاهدة الدقة الفلكية المذهلة التي يتمتع بها المعمار المصري القديم، في تجسيد حي لتراث حضاري يمتد لآلاف السنين.

الظاهرة الفلكية ودقتها التاريخية
تُعد ظاهرة تعامد الشمس إحدى أبرز عجائب الهندسة المعمارية والفلكية في الحضارة المصرية القديمة. ففي يومين محددين من كل عام – وهما في الأغلب 22 فبراير و22 أكتوبر – تخترق أشعة الشمس ممر المعبد الكبير الذي يبلغ طوله حوالي 60 متراً، لتسقط مباشرة على تماثيل المعبودات الأربعة الجالسة في أقصى قدس الأقداس. هذه التماثيل تُجسد الإله رع حور أختي، والملك رمسيس الثاني مؤلّهاً، والإله آمون رع. وبشكل مدهش، تبقى أشعة الشمس متمركزة على هذه التماثيل لمدة تتراوح بين 20 إلى 25 دقيقة، بينما يظل تمثال الإله بتاح، إله الظلام، غارقاً في الظل، ما يعكس فهماً عميقاً لحركة الأجرام السماوية ودلالاتها الدينية.
تُعزى هذه الدقة الفائقة إلى براعة المهندسين والفلكيين المصريين القدماء الذين صمموا المعبد ليُضيء وجه رمسيس الثاني في تاريخ ميلاده ويوم تتويجه على العرش، أو ربما تزامنًا مع مواسم الحصاد والفيضان المهمة في مصر القديمة، مما يربط الحدث الفلكي بأهمية دينية وزراعية. هذا التناغم بين الفلك والعمارة يبرهن على مدى تقدم الحضارة المصرية آنذاك.
معبد أبو سمبل: تاريخ وإنجاز
يقع معبد أبو سمبل الكبير في أقصى جنوب مصر، وقد شيده الملك رمسيس الثاني، أحد أعظم فراعنة الأسرة التاسعة عشرة، في القرن الثالث عشر قبل الميلاد. يُعد المعبد تحفة فنية ومعمارية منحوتة في الصخر، ويشتهر بواجهته الضخمة التي تضم أربعة تماثيل عملاقة للملك نفسه. كان الغرض الأساسي من بناء المعبد هو تأليه رمسيس الثاني وتخليد انتصاراته، خاصةً في معركة قادش، وتأكيد سلطته المطلقة وإيمانه بألوهيته.
في ستينيات القرن الماضي، واجه المعبد تهديداً بالغاً بالغرق نتيجة بناء السد العالي في أسوان. لكن بفضل حملة دولية ضخمة بقيادة منظمة اليونسكو، تم إنقاذ المعبدين (الكبير والصغير) من خلال مشروع غير مسبوق لتقطيعهما وإعادة تجميعهما على ارتفاع 65 متراً أعلى من موقعهما الأصلي، وبمسافة 200 متر إلى الخلف. كانت عملية النقل تحدياً هندسياً هائلاً، وقد نجح المهندسون في الحفاظ على الظاهرة الفلكية لتعامد الشمس بدقتها الأصلية، مما يُعد إنجازاً علمياً وتقنياً عالمياً يُضاف إلى عظمة البناء الأصلي.
الأهمية الثقافية والسياحية
تُمثل ظاهرة تعامد الشمس على وجه رمسيس الثاني مناسبة ثقافية وسياحية بامتياز. إنها لا تقتصر على كونها مجرد حدث فلكي، بل هي احتفال بالتاريخ والفن والعلم المصري القديم الذي لا يزال يُلهم العالم. تُسهم هذه الظاهرة بشكل كبير في جذب السياحة الوافدة إلى مصر، حيث يتطلع آلاف السياح سنوياً لمشاهدة هذا المشهد النادر والفريد الذي يجمع بين الروعة الأثرية والدقة الفلكية.
تعمل السلطات المصرية، ممثلة في وزارة السياحة والآثار ومحافظة أسوان، على تنظيم هذا الحدث بشكل سنوي. تُتخذ إجراءات مكثفة لضمان سلامة الزوار وتوفير كافة الخدمات اللوجستية، بما في ذلك تأمين المنطقة وتوفير وسائل النقل والإقامة. غالباً ما تُقام على هامش هذا الحدث فعاليات ثقافية وفنية تُعزز من التجربة السياحية وتُعرف الزوار بجوانب أخرى من التراث المصري الغني، مما يُسهم في تنشيط الحركة السياحية والاقتصاد المحلي في منطقة أسوان والنوبة.
لماذا يُعد هذا الخبر مهماً؟
يُبرز هذا الحدث الأهمية المتجددة للتراث المصري القديم كوجهة سياحية وثقافية عالمية. فمشاهدة الآلاف من الزوار لهذه الظاهرة تُسلط الضوء على القدرة الفريدة لمصر في جذب الاهتمام الدولي بكنوزها الأثرية. كما أنها تُعزز الوعي بأهمية الحفاظ على هذه المواقع التاريخية، وتُظهر للعالم إرثاً حضارياً لا يزال قادراً على إبهار البشرية بعد آلاف السنين. إنه تذكير بالعبقرية الهندسية والفلكية التي سبقت عصرها بكثير، ويُشجع على المزيد من البحث والاكتشاف في خفايا الحضارة المصرية القديمة، مع تقديم دفعة قوية لقطاع السياحة الحيوي في البلاد.





