آلية عمل اللجان المختصة بحصر المناطق بموجب قانون الإيجار القديم
شهدت الأوساط القانونية والعقارية اهتماماً متزايداً مع إقرار قانون الإيجار القديم رقم 164 لسنة 2025، الذي يمثل خطوة محورية نحو معالجة أحد أقدم وأكثر الملفات تعقيداً في سوق العقارات. يهدف القانون الجديد، الذي دخل حيز التنفيذ أو يُتوقع دخوله قريباً، إلى وضع أسس واضحة وعادلة لتنظيم العلاقة بين الملاك والمستأجرين في العقارات الخاضعة لأحكام قوانين الإيجار القديمة، والتي ظلت تمثل تحدياً كبيراً لعقود. في صميم هذا القانون تقع آلية عمل لجان متخصصة مكلفة بحصر وتقسيم المناطق، وهي اللجان التي تُعول عليها مهمة تحقيق التوازن المنشود والعدالة بين الأطراف المعنية.

خلفية قانون الإيجار القديم وأهمية التعديلات
تعود جذور "قانون الإيجار القديم" إلى تشريعات صدرت في منتصف القرن الماضي، والتي كانت تهدف في الأصل إلى حماية المستأجرين في فترات تاريخية معينة، كأوقات الحروب والأزمات الاقتصادية، عبر تجميد القيمة الإيجارية أو تحديد زياداتها بشكل ضئيل جداً. بمرور الوقت، ومع تغير الظروف الاقتصادية والاجتماعية، تحولت هذه القوانين إلى مصدر رئيسي للنزاعات، حيث شعر الملاك بالحرمان من حقهم في استغلال ممتلكاتهم بأسعار عادلة تتناسب مع القيمة السوقية الحالية وتكاليف الصيانة والإدارة. في المقابل، يخشى المستأجرون من التشرد أو عدم القدرة على تحمل الزيادات المفاجئة والكبيرة في الإيجارات.
على مدار عقود، تصاعدت المطالبات بضرورة إيجاد حل شامل ينهي هذا الجمود. جاء القانون رقم 164 لسنة 2025 ليعالج هذه الإشكالية، مقترحاً مساراً تدريجياً ومنظماً للانتقال من الوضع الحالي إلى نظام أكثر مرونة وعدالة. وتعتبر اللجان المتخصصة المنوط بها حصر المناطق وتقسيمها الركيزة الأساسية في تطبيق هذا القانون، حيث تمثل الذراع التنفيذي الذي سيقوم بتقييم الوضع على أرض الواقع وتقديم التوصيات اللازمة.
مهام واختصاصات اللجان المتخصصة
تتولى اللجان المنصوص عليها في قانون الإيجار القديم الجديد عدداً من المهام الحيوية التي تضمن التطبيق الفعال والسلس لأحكام القانون. تتمثل هذه المهام بشكل أساسي في:
- حصر المناطق: تشمل هذه المهمة جمع بيانات شاملة عن جميع العقارات الخاضعة لأحكام قانون الإيجار القديم. يتضمن ذلك تحديد الموقع الجغرافي، نوع العقار (سكني، تجاري، إداري)، تاريخ إنشاء المبنى، القيمة الإيجارية الحالية، وتفاصيل عقد الإيجار. الهدف هو تكوين قاعدة بيانات دقيقة وشاملة تساعد في اتخاذ قرارات مستنيرة.
-
تقسيم المناطق: بناءً على بيانات الحصر، تقوم اللجان بتقسيم المناطق الجغرافية إلى فئات مختلفة. قد تعتمد هذه الفئات على عدة معايير، مثل:
- الطبيعة العمرانية: مناطق حضرية، شبه حضرية، ريفية.
- القيمة الاقتصادية: مناطق ذات قيمة عقارية مرتفعة، متوسطة، منخفضة.
- التركيبة الاجتماعية: مراعاة للظروف الاقتصادية لسكان المناطق المختلفة.
- البنية التحتية والخدمات: مستوى توفر الخدمات والمرافق.
-
وضع المعايير العادلة: تعد هذه المهمة من أهم اختصاصات اللجان. فبعد الحصر والتقسيم، تعمل اللجان على اقتراح معايير محددة لتقدير الزيادات الإيجارية أو تحديد القيم التعويضية، بما يراعي عدة عوامل منها:
- القيمة السوقية الحالية للعقار.
- حالة العقار ومدى حاجته للصيانة.
- القدرة المالية للمستأجرين، قدر الإمكان.
- العدالة في تعويض الملاك عن سنوات الحرمان.
آلية عمل اللجان والإجراءات المتبعة
تتبع اللجان المختصة منهجية عمل منظمة لضمان الشفافية والفعالية في أداء مهامها. عادةً ما تتكون هذه اللجان من ممثلين عن الجهات الحكومية ذات الصلة (مثل وزارة الإسكان، وزارة العدل، ووزارة التنمية المحلية)، بالإضافة إلى خبراء في الشؤون القانونية والعقارية والاقتصادية.
تشمل خطوات عمل اللجان ما يلي:
- التشكيل الرسمي: يتم تشكيل اللجان بقرارات وزارية أو حكومية تحدد أعضائها ورئيسها واختصاصاتها التفصيلية.
- جمع البيانات: تبدأ اللجان بعملية جمع البيانات من السجلات الرسمية (مثل الشهر العقاري والسجلات الضريبية) ومن خلال الاستبيانات الميدانية والمسح العقاري المباشر. يمكن للملاك والمستأجرين أيضاً تقديم طلبات ومعلومات للجان.
- التحليل والتقييم: يقوم الخبراء داخل اللجان بتحليل البيانات المجمعة، وتصنيف العقارات والمناطق بناءً على المعايير المحددة مسبقاً، وتقييم الوضع الاقتصادي والاجتماعي لكل فئة.
- صياغة التوصيات: بناءً على التحليل والتقييم، تقوم اللجان بصياغة تقارير وتوصيات تفصيلية تتضمن مقترحات لآليات تطبيق القانون، بما في ذلك جداول زمنية للزيادات الإيجارية المقترحة أو سبل معالجة الحالات الخاصة.
- الرفع للجهات المختصة: يتم تقديم هذه التوصيات إلى الجهات الحكومية العليا (مثل مجلس الوزراء أو البرلمان) لاتخاذ القرارات النهائية بشأنها، والتي قد تتخذ شكل لوائح تنفيذية أو تعديلات إضافية على القانون.
تأثير عمل اللجان والآفاق المستقبلية
يُتوقع أن يكون لعمل هذه اللجان تأثير عميق على سوق العقارات والعلاقات الإيجارية في البلاد. فمن ناحية، ستساهم في إعادة جزء كبير من الوحدات المغلقة أو المستغلة بأقل من قيمتها الحقيقية إلى السوق، مما قد يؤدي إلى زيادة المعروض وتخفيف حدة أزمة الإسكان على المدى الطويل. ومن ناحية أخرى، تهدف هذه الآلية إلى إنهاء عقود من الظلم الذي تعرض له الملاك، مانحة إياهم الحق في عائد عادل على استثماراتهم.
ومع ذلك، تقع على عاتق اللجان مسؤولية كبرى في تحقيق هذا الانتقال بسلاسة دون التسبب في اضطرابات اجتماعية. يجب أن تكون المعايير المعتمدة شفافة وعادلة، وأن تضمن آليات للتظلم والطعن للمتضررين، سواء كانوا ملاكاً أو مستأجرين. يمثل هذا القانون ولجانه جزءاً من رؤية أوسع لتحقيق الاستقرار في سوق العقارات، ودفع عجلة الاستثمار، وضمان حقوق جميع الأطراف بما يخدم الصالح العام. يعكس إقرار هذا القانون في عام 2025 التزام الدولة بمعالجة القضايا المزمنة ووضع حلول مستدامة لها.





