أبل تعتمد على جوجل لتعزيز قدرات الذكاء الاصطناعي في هواتفها
كشفت تقارير إعلامية متداولة على نطاق واسع في أوائل عام 2024، وتحديداً في شهري مارس وأبريل، عن مباحثات مكثفة بين عملاقي التكنولوجيا، أبل وجوجل، بهدف دمج نموذج الذكاء الاصطناعي المتقدم «جيميني» (Gemini) من جوجل في أجهزة آيفون. جاءت هذه الخطوة لتعكس سعي أبل الحثيث لتعزيز قدرات الذكاء الاصطناعي التوليدي على هواتفها الذكية، خصوصاً بعد الضغط المتزايد الذي فرضه التطور السريع لهذا المجال على جميع الشركات التقنية.

أشارت التقارير إلى أن أبل كانت تخطط لاستخدام نسخة مخصصة وفائقة القوة من نموذج «جيميني» لتشغيل مجموعة من الميزات المتقدمة ضمن مساعدها الصوتي «سيري» (Siri) وغيره من وظائف النظام التشغيلي «iOS». هذا التعاون، حال تأكيده بشكل كامل لتشمل بعض المهام، سيمثل تحولاً استراتيجياً ملحوظاً لأبل، المعروفة بتركيزها على تطوير تقنياتها الداخلية والتحكم الصارم في تجربة المستخدم.
الخلفية والتحديات التكنولوجية
لطالما كانت أبل رائدة في مجال دمج الذكاء الاصطناعي على مستوى الأجهزة، لا سيما من خلال معالجاتها القوية التي تدعم قدرات التعلم الآلي على الجهاز نفسه. ومع ذلك، واجه مساعدها الصوتي «سيري» انتقادات متزايدة بسبب محدوديته في فهم السياق والاستجابة للمهام المعقدة مقارنة بالنماذج اللغوية الكبيرة الحديثة التي ظهرت مثل «ChatGPT» و«جيميني».
في السنوات الأخيرة، شهد قطاع الذكاء الاصطناعي التوليدي طفرة غير مسبوقة، مما دفع المنافسين مثل سامسونج إلى دمج حلول الذكاء الاصطناعي المتقدمة (مثل «Galaxy AI» المدعومة جزئياً بتقنيات جوجل) في هواتفهم، الأمر الذي وضع أبل تحت ضغط كبير للحاق بالركب. تاريخياً، اعتمدت أبل على جوجل في توفير محرك البحث الافتراضي لمتصفح سفاري، مما يمهد الطريق لمزيد من التعاون في مجالات أخرى مثل الذكاء الاصطناعي، مستفيدةً من خبرة جوجل الواسعة في النماذج اللغوية الكبيرة وبنيتها التحتية السحابية الهائلة.
تفاصيل التعاون المحتمل وتكامل «جيميني»
وفقاً للتقارير، كان الهدف من هذا التعاون هو دمج «جيميني» بشكل يسمح لأجهزة آيفون بمعالجة المهام الذكية التي تتطلب قدرات توليدية متقدمة، مثل:
- تحسين أداء «سيري»: جعله أكثر ذكاءً وقدرة على فهم السياق وتقديم استجابات أكثر طبيعية ودقة.
- توليد النصوص: القدرة على إنشاء مسودات رسائل بريد إلكتروني، وكتابة ملخصات، وتوليد نصوص إبداعية.
- تحرير الصور: ميزات متقدمة لتحرير الصور والفيديو تعتمد على الذكاء الاصطناعي.
- التعامل مع التطبيقات: تحسين التفاعل بين المستخدم والتطبيقات من خلال فهم أفضل للأوامر والنوايا.
هذا التكامل كان ليسمح لأبل بتقديم تجربة ذكاء اصطناعي متطورة بسرعة نسبية، دون الحاجة إلى بناء نماذجها التوليدية الكبيرة من الصفر، وهي مهمة تتطلب استثمارات ضخمة وموارد هائلة.
الأهمية الاستراتيجية وتأثير الصفقة
يمثل هذا التعاون، أو حتى مجرد بحث أبل عن شريك خارجي بحجم جوجل، لحظة محورية لكلتا الشركتين ولسوق الهواتف الذكية ككل. بالنسبة لأبل، كان سيعني ذلك:
- لحاق سريع بالركب: القدرة على تقديم ميزات ذكاء اصطناعي تنافسية بسرعة.
- تركيز الموارد: توجيه مواردها لابتكار تجارب المستخدم الفريدة بدلاً من بناء البنية التحتية الأساسية للنماذج اللغوية الكبيرة.
- اعتراف ضمني: اعتراف بالحاجة إلى الاستعانة بخبرات خارجية في مجال الذكاء الاصطناعي التوليدي.
أما بالنسبة لجوجل، فكانت الصفقة ستعزز من مكانتها كلاعب رئيسي في مجال الذكاء الاصطناعي، وتزيد من انتشار نموذج «جيميني»، وتوفر مصدراً مهماً للإيرادات، خصوصاً مع وجود ملايين أجهزة أبل حول العالم. أما المستخدمون، فكانوا سيتوقعون هواتف آيفون أكثر ذكاءً وقدرة على إنجاز المهام اليومية بكفاءة أكبر، مما يعزز من قيمة أجهزتهم.
التطورات اللاحقة والاعتبارات المستقبلية
بعد هذه التقارير الأولية، كشفت أبل في مؤتمرها العالمي للمطورين (WWDC) في 10 يونيو 2024 عن استراتيجيتها الشاملة للذكاء الاصطناعي تحت مظلة «Apple Intelligence». هذه المبادرة تجمع بين معالجة الذكاء الاصطناعي على الجهاز، والاعتماد على «Private Cloud Compute» لمعالجة البيانات الحساسة على خوادم أبل الآمنة، ودمج «ChatGPT» من OpenAI للمهام الأكثر تعقيداً التي تتطلب معرفة عالمية واسعة، مع منح المستخدمين خيار الموافقة على استخدامها. لم يتم الإعلان صراحةً عن شراكة واسعة النطاق مع جوجل «جيميني» في هذا الإطلاق الأولي.
هذا التطور يشير إلى أن أبل اتبعت نهجاً متعدد الشركاء، أو ربما فضلت OpenAI لأسباب معينة في المرحلة الأولى، أو أن مباحثاتها مع جوجل لم تصل إلى نفس مستوى الاتفاق الشامل في الوقت الحالي. ومع ذلك، فإن مجرد خوض أبل لمفاوضات جادة مع جوجل حول دمج «جيميني» يؤكد أن عملاق التكنولوجيا يبحث عن أفضل الحلول المتاحة لتعزيز قدراته في الذكاء الاصطناعي، سواء كان ذلك من خلال تطويرها الذاتي أو الشراكات الاستراتيجية.
تبقى التساؤلات حول كيفية تحقيق أبل لتوازنها بين الخصوصية التي تشتهر بها وقوة الذكاء الاصطناعي السحابي، ودور جوجل المحتمل في استراتيجية أبل المستقبلية في هذا المجال المتغير باستمرار.



