أمازون تخطط لتسريح نحو 30 ألف موظف: أكبر عملية خفض للوظائف في تاريخها الحديث
شهدت شركة أمازون، عملاق التجارة الإلكترونية والخدمات السحابية، فترة تحول جوهري في استراتيجياتها التشغيلية، تمثلت في خطة واسعة لخفض أعداد موظفيها. فخلال الفترة الممتدة من أواخر عام 2022 وحتى أوائل عام 2023، أعلنت الشركة عن نيتها تسريح نحو 30 ألف موظف على مراحل متعددة، في خطوة غير مسبوقة تعد الأكبر في تاريخها الحديث من حيث حجم تخفيض القوى العاملة. تأتي هذه الإجراءات في سياق بيئة اقتصادية عالمية متقلبة، وبعد فترة من التوظيف المكثف شهدتها الشركة خلال ذروة جائحة كوفيد-19.
خلفية القرارات وإطارها الزمني
بدأت مؤشرات خفض القوى العاملة بالظهور في نوفمبر 2022، عندما أشارت تقارير إعلامية إلى أن أمازون تخطط لتسريح حوالي 10 آلاف موظف في أقسام مختلفة. تبع ذلك إعلان رسمي من الرئيس التنفيذي، آندي جاسي، في يناير 2023، أكد فيه أن عدد الموظفين الذين سيتم تسريحهم سيتجاوز 18 ألف موظف على مستوى العالم، ليشمل ذلك موظفين في أوروبا. ولم تتوقف موجة التسريحات عند هذا الحد، ففي خطوة مفاجئة أخرى، أعلن جاسي في مارس 2023 عن جولة إضافية من التسريحات تشمل حوالي 9 آلاف موظف آخرين.
بجمع هذه الأرقام، يصل العدد الإجمالي للموظفين الذين تم تسريحهم أو المقرر تسريحهم إلى حوالي 27 ألف موظف، وهو ما يجعل تقدير "نحو 30 ألف" شاملاً ودقيقاً تقريباً لتداعيات هذه الاستراتيجية على مدى عدة أشهر. هذه الأرقام تعكس حجم التحدي الذي تواجهه الشركة في إعادة هيكلة مواردها البشرية.
الأقسام المتأثرة ودوافع الشركة
شملت عمليات التسريح أقساماً حيوية ومتنوعة داخل أمازون، مما يعكس إعادة تقييم شاملة لاستراتيجيات الشركة ومشاريعها. من أبرز الأقسام والقطاعات المتأثرة بهذه القرارات كانت:
- قسم الأجهزة والخدمات (Devices and Services): والذي يضم منتجات رئيسية مثل أليكسا (Alexa) وأجهزة كيندل (Kindle).
- قسم الموارد البشرية والخبرات والتكنولوجيا (PXT - People, Experience, and Technology).
- قسم الإعلانات (Advertising): الذي كان يعتبر سابقًا محركًا قويًا للنمو.
- منصة تويتش (Twitch): منصة البث المباشر الشهيرة المملوكة لأمازون.
- قطاع التجزئة (Retail): الذي يمثل جوهر أعمال أمازون الأساسية.
- بالإضافة إلى بعض المشاريع في قطاع الرعاية الصحية، مما يشير إلى إعادة النظر في الاستثمارات الجديدة.
تُعزى هذه الموجات المتتالية من التسريحات إلى عدة عوامل رئيسية متضافرة. أولاً، التوظيف المفرط الذي شهدته أمازون خلال ذروة جائحة كوفيد-19، حيث ازداد الطلب على التجارة الإلكترونية بشكل غير مسبوق، ما دفع الشركة لتوظيف أعداد هائلة من العمالة توقعاً لاستمرار هذا النمو. ثانياً، تباطؤ النمو الاقتصادي العالمي وارتفاع معدلات التضخم، مما أثر بشكل مباشر على إنفاق المستهلكين وأجبر الشركات على ترشيد نفقاتها وتقليص التكاليف التشغيلية. ثالثاً، سعي أمازون إلى زيادة الكفاءة التشغيلية وتحقيق أرباح أعلى، مما دفعها لإعادة تقييم بعض المشاريع وتقليص الاستثمارات في مجالات قد لا تكون ذات أولوية قصوى أو ذات عائد استثماري غير مؤكد في المرحلة الحالية.
التداعيات والآفاق المستقبلية
تعد قرارات أمازون جزءاً من اتجاه أوسع في قطاع التكنولوجيا، حيث شهدت شركات كبرى أخرى مثل ميتا (Meta)، جوجل (Google)، ومايكروسوفت (Microsoft) أيضاً عمليات تسريح جماعي للموظفين خلال نفس الفترة. تعكس هذه التحركات تحولاً في المشهد التكنولوجي من فترة التوسع السريع بأي ثمن إلى فترة تتسم بالتركيز على الربحية والكفاءة، في ظل بيئة اقتصادية أكثر تحديًا.
وقد أكد الرئيس التنفيذي آندي جاسي في مذكراته الداخلية للموظفين أن هذه القرارات كانت صعبة للغاية، لكنها ضرورية لضمان "الصحة الطويلة الأمد للشركة". وتعهد بتقديم الدعم الكامل للموظفين المتأثرين، بما في ذلك حزم إنهاء الخدمة السخية والمساعدة في البحث عن وظائف جديدة. من المتوقع أن تؤثر هذه التسريحات على معنويات الموظفين المتبقين وتخلق حالة من عدم اليقين، ولكنها في المقابل قد تنعكس إيجاباً على أداء أسهم الشركة في المدى القصير، حيث يميل المستثمرون إلى رؤية إجراءات خفض التكاليف كمؤشر على التزام الإدارة بالانضباط المالي.
وفي حين أن أمازون لا تزال توظف أكثر من 1.5 مليون شخص حول العالم، فإن هذه الموجة الكبيرة من التسريحات تُشير إلى نهاية حقبة من التوسع غير المقيد، وبداية مرحلة جديدة تتسم بالحذر والتركيز على الابتكار المستدام وتحسين الهوامش الربحية في مواجهة التحديات الاقتصادية العالمية والمنافسة المتزايدة.





