تقرير إنترسبت يكشف تورط أمازون في دعم جرائم إسرائيل في غزة
كشف تقرير حديث نشرته منظمة إنترسبت الاستقصائية عن وثائق داخلية تُظهر تورط شركة أمازون العملاقة في توفير خدمات حوسبة سحابية متقدمة لكيانات عسكرية وحكومية إسرائيلية، مما يثير تساؤلات جدية حول دورها المحتمل في العمليات العسكرية الإسرائيلية في غزة. ويزعم التقرير أن هذه الخدمات قد تكون استخدمت لدعم جهود تعتبرها المنظمات الحقوقية جزءًا من انتهاكات للقانون الدولي خلال الصراع.

خلفية "مشروع نيمبوس"
تعود جذور هذه القضية إلى عام 2021، عندما فازت شركتا أمازون (عبر ذراعها للحوسبة السحابية Amazon Web Services - AWS) وجوجل بعقد ضخم بقيمة 1.2 مليار دولار أمريكي، عُرف باسم "مشروع نيمبوس". يهدف هذا المشروع إلى توفير بنية تحتية سحابية واسعة النطاق للحكومة والجيش الإسرائيليين. وتشمل الخدمات المقدمة بموجب هذا العقد قدرات متطورة في مجال تخزين البيانات ومعالجتها، وتحليل المعلومات، بالإضافة إلى تقنيات الذكاء الاصطناعي والتعلم الآلي. وقد أثار الإعلان عن هذا المشروع جدلاً واسعًا منذ البداية، حيث عبر نشطاء حقوق الإنسان وموظفون داخل الشركتين عن مخاوفهم بشأن الآثار الأخلاقية المحتملة لتوفير هذه التقنيات لمؤسسات عسكرية في منطقة صراع متواصل.
كشف "إنترسبت" وتورط أمازون
وفقًا لتقرير إنترسبت، والذي استند إلى وثائق داخلية مسربة، فإن أمازون لم تكتف بتقديم خدمات عامة، بل تورطت في توفير خدمات سحابية مخصصة لشركات أسلحة إسرائيلية بارزة وهيئات حكومية ذات صلة بالدفاع والأمن. هذه الوثائق تكشف عن تعاملات مباشرة وتفاصيل حول أنواع الدعم التقني الذي قدمته AWS. ومن بين العملاء المزعومين، شركات تعمل في تطوير وتوريد الأسلحة والتقنيات العسكرية المستخدمة في العمليات الإسرائيلية. ويشير التقرير إلى أن هذه الخدمات يمكن أن تشمل تخزين وتحليل كميات هائلة من البيانات الاستخباراتية، وتطوير أنظمة المراقبة، وربما حتى المساعدة في استهداف المواقع، مما يوسع نطاق تورط أمازون إلى ما هو أبعد من مجرد مزود تقني محايد.
المزاعم حول الاستخدام في غزة
تكمن النقطة المحورية في تقرير إنترسبت في الربط بين خدمات أمازون والعمليات العسكرية الإسرائيلية في غزة، والتي يصفها التقرير بـ"الجرائم". وتؤكد المزاعم أن الأنظمة السحابية والذكاء الاصطناعي التي توفرها أمازون قد تسهم بشكل مباشر أو غير مباشر في:
- جمع وتحليل البيانات الاستخباراتية: معالجة معلومات المراقبة لتحديد الأهداف.
 - دعم الأنظمة اللوجستية والعسكرية: توفير البنية التحتية لتشغيل أنظمة الأسلحة المعقدة أو عمليات التخطيط العسكرية.
 - تطوير تقنيات الاستهداف: استخدام قدرات الذكاء الاصطناعي لتحسين فعالية الاستهداف في البيئات الحضرية.
 
ردود الفعل وحملة "لا تكنولوجيا للفصل العنصري"
أثار الكشف عن هذا التورط موجة من الغضب والاحتجاجات، خاصة داخل شركتي أمازون وجوجل. فقد قادت مجموعة من الموظفين حملة نشطة تحت شعار "لا تكنولوجيا للفصل العنصري" (No Tech for Apartheid)، مطالبين بإنهاء عقود "مشروع نيمبوس". وقد نظم هؤلاء الموظفون فعاليات احتجاجية، وأصدروا رسائل مفتوحة، وشاركوا في اعتصامات، معبرين عن رفضهم لأن تُستخدم مهاراتهم ومنتجات شركاتهم في دعم ما يعتبرونه انتهاكات لحقوق الإنسان. في المقابل، تعرض بعض هؤلاء الموظفين للفصل من العمل، مما سلط الضوء على التوتر المتزايد بين سياسات الشركات ومخاوف الموظفين الأخلاقية. كما انضمت منظمات حقوقية وناشطون مدنيون إلى هذه الدعوات، مطالبين أمازون وجوجل بالالتزام بالمبادئ الأخلاقية وتجنب التورط في انتهاكات حقوق الإنسان.
الأبعاد الأخلاقية والقانونية
تضع هذه القضية أمازون، والشركات التقنية الكبرى عمومًا، في مواجهة تحديات أخلاقية وقانونية معقدة. فبينما تؤكد الشركات غالبًا أنها تلتزم بالقوانين وتوفر خدماتها للجميع دون تمييز، يرى النقاد أن توفير التكنولوجيا لجهات عسكرية في مناطق النزاع يحمل أبعادًا تتجاوز مجرد العمل التجاري. تبرز هنا قضية "التقنيات ذات الاستخدام المزدوج" (Dual-use technology) التي يمكن أن تخدم أغراضًا مدنية وعسكرية على حد سواء. ويثير الكدل حول مدى "تواطؤ الشركات" في انتهاكات حقوق الإنسان والقانون الإنساني الدولي. فهل يمكن اعتبار شركة مزودة للخدمات التقنية متواطئة إذا استخدمت تقنياتها في أعمال تعتبر غير قانونية دوليًا؟ هذا السؤال يظل محل نقاش قانوني وأخلاقي واسع، ويؤثر بشكل كبير على سمعة أمازون ومكانتها كشركة ملتزمة بالمسؤولية المجتمعية.
التداعيات المستقبلية
من المتوقع أن تزيد هذه التقارير من الضغط على أمازون لمراجعة عقودها مع الكيانات العسكرية، خاصة في مناطق النزاع. قد تواجه الشركة المزيد من التدقيق من قبل المساهمين، والمنظمات غير الحكومية، وحتى الحكومات. كما أن هذه القضية تسهم في تعميق النقاش الأوسع حول دور شركات التكنولوجيا في الصراعات الحديثة، والمسؤولية التي تقع على عاتقها لضمان عدم استخدام منتجاتها وخدماتها في انتهاكات حقوق الإنسان. ومن المرجح أن يؤدي ذلك إلى مطالبات متزايدة بوضع مبادئ توجيهية أكثر صرامة للتعامل مع العملاء العسكريين والحكوميين، لا سيما في سياقات النزاعات المسلحة.




